مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ٢١٨
حالهم وعجزهم عن الإحياء، فإن المريض يداوى فإذا مات لا يمكنهم إعادة الروح إليه، وقياس اللّه على المخلوقات بعيد المأخذ، ويحتمل أن يقال إنهم كانوا يقولون بأن الساعة إذا كانت قائمة فالثواب والنعيم لنا، كقول قائلهم : وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى [فصلت : ٥٠] فكانوا يقولون ذلك فإن كان من قول الرسول فما كان ذلك عندهم حتى يقولوا عن إحساس فإن ما لا يجب عقلا لا يعلم إلا بالإحساس أو بقول الصادق، فهم كانوا يقولون عن الغيب من مكان بعيد، فإن قيل قد ذكرت أن الآخرة قريب فكيف قال من مكان بعيد؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن ذلك قريب عند من آمن بمحمد صلى اللّه عليه وآله وسلم من لم يؤمن لا يمكنه التصديق به فيكون بعيدا عنده الثاني : أن الحكاية يوم القيامة، فكأنه قال كانوا يقذفون من مكان بعيد وهو الدنيا، ويحتمل وجها آخر وهو أنهم في الآخرة يقولون : رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً [السجدة : ١٢] وهو قذف بالغيب من مكان بعيد وهو الدنيا.
[سورة سبإ (٣٤) : آية ٥٤]
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)
ثم قال تعالى : وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من العود إلى الدنيا أو بين لذات الدنيا، فإن قيل : كيف يصح قولك ما يشتهون من العود مع أنه تعالى قال : كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ وما حيل بينهم وبين العود؟ قلنا لم قلتم إنه ما حيل بينهم، بل كل من جاءه الملك طلب التأخير ولم يعط وأرادوا أن يؤمنوا عند ظهور اليأس ولم يقبل، وقوله : مُرِيبٍ يحتمل وجهين أحدهما : ذي ريب والثاني : موقف في الريب، وسنذكره في موضع آخر إن شاء اللّه تعالى، واللّه أعلم بالصواب، والحمد للّه رب العالمين وصلاته على خير خلقه محمد النبي وآله وصحبه وأزواجه أجمعين.
تم الجزء الخامس والعشرون، ويليه السادس والعشرون وأوله سورة فاطر وقد راجعه على النسخة الأميرية الأستاذ محمد إسماعيل الصاوي بالإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف.


الصفحة التالية
Icon