مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ٨٥
ثم قال تعالى :
[سورة الروم (٣٠) : آية ١٤]
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤)
ثم بين أمرا آخر يكون في ذلك اليوم وهو الافتراق كما قال تعالى في آية أخرى : وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس : ٥٩] فكأن هذه الحالة مترتبة على الإبلاس، فكأنه أولا يبلس ثم يميز ويجعل فريق في الجنة وفريق في السعير، وأعاد قوله : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ لأن قيام الساعة أمر هائل فكرره تأكيدا للتخويف، ومنه اعتاد الخطباء تكرير يوم القيامة في الخطب لتذكير أهواله.
ثم بين كيفية التفرق فقال تعالى :
[سورة الروم (٣٠) : آية ١٥]
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥)
أي في جنة يسرون بكل مسرة.
[سورة الروم (٣٠) : آية ١٦]
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦)
يعني لا غيبة لهم عنه ولا فتور له عنهم كما قال تعالى : كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها [الحج : ٢٢] وقال : فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ [آل عمران : ٨٨] وفي الآيتين مسائل فيها لطائف :
المسألة الأولى : بدأ بذكر حال الذين آمنوا مع أن الموضع موضع ذكر المجرمين، وذلك لأن المؤمن يوصل إليه الثواب قبل أن يوصل إلى الكافر العقاب حتى يرى ويتحقق أن المؤمن وصل إلى الثواب فيكون أنكى، ولو أدخل الكافر النار أولا لكان يظن أن الكل في العذاب مشتركون، فقدم ذلك زيادة في إيلامهم.
المسألة الثانية : ذكر في المؤمن العمل الصالح ولم يذكر في الكافر العمل السيئ، لأن العمل الصالح معتبر مع الإيمان، فإن الإيمان المجرد مفيد للنجاة دون رفع الدرجات ولا يبلغ المؤمن الدرجة العالية إلا بإيمانه وعمله الصالح، وأما الكافر فهو في الدركات بمجرد كفره فلو قال : والذين كفروا وعملوا السيئات في العذاب محضرون، لكان العذاب لمن يصدر منه المجموع، فإن قيل فمن يؤمن ويعمل السيئات غير مذكور في القسمين، فنقول له منزلة بين المنزلتين لا على ما يقوله المعتزلة، بل هو في الأول في العذاب ولكن ليس من المحضرين دوام الحضور، وفي الآخرة هو في الرياض ولكنه ليس من المحبورين غاية الحبور كل ذلك بحكم الوعد.
المسألة الثالثة : قال في الأول فِي رَوْضَةٍ على التنكير، وقال في الآخر في العذاب على التعريف، لتعظيم الروضة بالتنكير، كما يقال لفلان مال وجاه، أي كثير وعظيم.
المسألة الرابعة : قال في الأول : يُحْبَرُونَ بصيغة الفعل ولم يقل محبورون، وقال في الآخر :
مُحْضَرُونَ بصيغة الاسم ولم يقل يحضرون، لأن الفعل ينبئ عن التجدد والاسم لا يدل عليه فقوله :
يُحْبَرُونَ يعني يأتيهم كل ساعة أمر يسرون به. وأما الكفار فهم إذا دخلوا العذاب يبقون فيه محضرين.
ثم قال تعالى :
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٧ إلى ١٩]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)


الصفحة التالية
Icon