مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ٨٧
لكان كثيرا وإليه أشار تعالى بقوله : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل :
٢- ٤] وزيادة القليل على النصف هي ساعة فيصير سبع ساعات مصروفة إلى النوم والنائم مرفوع عنه القلم، فيقول اللّه عبدي صرف جميع أوقات تكليفه في تسبيحي فلم يبق لكم أيها الملائكة عليهم المزية التي ادعيتم بقولكم : نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة : ٣٠] على سبيل الانحصار بل هم مثلكم / فمقامهم مثل مقامكم في أعلى عليين، واعلم أن في وضع الصلاة في أوقاتها وعدد ركعاتها واختلاف هيئاتها حكمة بالغة، أما في عدد الركعات فما تقدم من كون الإنسان يقظان في سبع عشرة ساعة ففرض عليه سبع عشرة ركعة، وأما على مذهب أبي حنيفة حيث قال بوجوب الوتر ثلاث ركعات وهو أقرب للتقوى، فنقول هو مأخوذ من أن الإنسان ينبغي أن يقلل نومه فلا ينام إلا ثلث الليل مأخوذا من قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ويفهم من هذا أن قيام ثلثي الليل مستحسن مستحب مؤكد باستحباب ولهذا قال عقيبه : عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ [المزمل : ٢٠] ذكر بلفظ التوبة، وإذا كان كذلك يكون الإنسان يقظان في عشرين ساعة فأمر بعشرين ركعة، وأما النبي عليه السلام فلما كان من شأنه أن لا ينام أصلا كما
قال :«تنام عيناي ولا ينام قلبي»
جعل له كل الليل كالنهار فزيد له التهجد فأمر به، وإلى هذا أشار تعالى في قوله : وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [الإنسان : ٢٦] أي كل الليل لك للتسبيح فصار هو في أربع وعشرين ساعة مسبحا، فصار من الذين لا يفترون طرفة عين، وأما في أوقاته فما تقدم أيضا أن الأول والآخر والوسط هو المعتبر فشرع التسبيح في أول النهار وآخره، وأما الليل فاعتبر أوله ووسطه كما اعتبر أول النهار ووسطه، وذلك لأن الظهر وقته نصف النهار والعشاء وقته نصف الليل لأنا بينا أن الليل المعتبر هو المقدار الذي يكون الإنسان فيه يقظان وهو مقدار خمس ساعات فجعل وقته في نصف هذا القدر وهو الثلاثة من الليل، وأما أبو حنيفة لما رأى وجوب الوتر كان زمان النوم عنده أربع ساعات وزمان اليقظة بالليل ثمان ساعات وأخر وقت العشاء الآخرة إلى الرابعة والخامسة، ليكون في وسط الليل المعتبر، كما أن الظهر في وسط النهار، وأما النبي لما كان ليله نهارا ونومه انتباها
قال :«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وتأخير العشاء إلى نصف الليل»
ليكون الأربع في نصف الليل كما أن الأربع في نصف النهار، وأما التفصيل فالذي يتبين لي أن النهار اثنتا عشرة ساعة زمانية والصلاة المؤداة فيها عشر ركعات فيبقى على المكلف ركعتان يؤديهما في أول الليل ويؤدي ركعة من صلاة الليل ليكون ابتداء الليل بالتسبيح كما كان ابتداء النهار بالتسبيح، ولما كان المؤدى من تسبيح النهار في أوله ركعتين كان المؤدى من تسبيح الليل في أوله ركعة لأن سبح النهار طويل مثل ضعف سبح الليل، لأن المؤدى في النهار عشرة والمؤدى في الليل من تسبيح الليل خمس.
المسألة الثالثة : في فضيلة السبحلة والحمدلة في المساء والصباح، ولنذكرها من حيث النقل والعقل، أما النقل
فأخبرني الشيخ الورع الحافظ الأستاذ عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن علوان بحلب مسندا عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال لبعض أصحابه :«أ تعجز عن أن تأتي وقت النوم بألف حسنة؟ فتوقف فقال النبي عليه السلام : قل سبحان اللّه والحمد للّه واللّه أكبر مائة مرة يكتب لك بها ألف حسنة»
وسمعته يقول رحمه اللّه مسندا «من قال خلف كل صلاة مكتوبة عشر مرات سبحان اللّه وعشر / مرات اللّه أكبر أدخل الجنة»
وأما العقل فهو أن اللّه تعالى له صفات لازمة لا من فعله وصفات ثابتة له من فعله، أما الأولى فهي صفات كمال وجلال خلافها نقص، فإذا


الصفحة التالية
Icon