مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٢٨٠
اتفق أكثر المفسرين على أن السماء مبسوطة ليس لها أطراف على جبال وهي كالسقف المستوي. ويدل عليه قوله تعالى : وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور : ٥] نقول ليس في النصوص ما يدل دلالة قاطعة على كون السماء مبسوطة غير مستديرة، ودل الدليل الحسي على كونها مستديرة فوجب المصير إليه.
أما الأول فظاهر لأن السقف المقبب لا يخرج عن كونه سقفا، وكذلك كونها على جبال، وأما الدليل الحسي فوجوه أحدها : أن من أمعن في السير في جانب الجنوب يظهر له كواكب مثل سهيل وغيره ظهورا أبديا حتى أن من يرصد يراه دائما ويخفى عليه بنات نعش وغيرها خفاء أبديا، ولو كان السماء مسطحا مستويا لبان الكل للكل بخلاف ما إذا كان مستديرا فإن بعضه حينئذ يستتر بأطراف الأرض فلا يرى الثاني : هو أن الشمس إذا كانت مقارنة للحمل «١» مثلا فإذا غربت ظهر لنا كوكب في منطقة البروج من الحمل إلى الميزان ثم في قليل يستتر الكوكب الذي كان غروبه بعد غروب الشمس ويظهر الكوكب الذي كان طلوعه بعد طلوع الشمس وبالعكس وهو دليل ظاهر وإن بحث فيه يصير قطعيا الثالث : هو أن الشمس قبل طلوعها وبعد غروبها يظهر ضوءها ويستنير الجو بعض الاستنارة ثم يطلع ولولا أن بعض السماء مستتر بالأرض وهو محل الشمس فلا يرى جرمها وينتشر نورها لما كان كذا بل كان عند إعادتها إلى السماء يظهر لكل أحد جرمها ونورها معا لكون السماء مستوية حينئذ مكشوفة كلها لكل أحد الرابع : القمر إذا انكسف في ساعة من الليل في جانب الشرق، ثم سئل أهل الغرب عن وقت الكسوف أخبروا عن الخسوف في ساعة أخرى قبل تلك الساعة التي رأى أهل المشرق فيها الخسوف لكن الخسوف في وقت واحد في جميع نواحي العالم والليل مختلف فدل على أن الليل في جانب المشرق قبل الليل في جانب المغرب فالشمس غربت من عند أهل المشرق وهي بعد في السماء ظاهرة لأهل المغرب فعلم استتارها بالأرض ولو كانت مستوية / لما كان كذلك الخامس : لو كانت السماء مبسوطة لكان القمر عند ما يكون فوق رءوسنا على المسامتة أقرب إلينا وعند ما يكون على الأفق أبعد منا لأن العموم أصغر من القطر والوتد، وكذلك في الشمس والكواكب كان يجب أن يرى أكبر لأن القريب يرى أكبر وليس كذلك فإن قيل جاز أن يكون وهو على الأفق على سطح السماء وعند ما
يكون على مسامتة رؤوسنا في بحر السماء غائرا فيها لأن الخرق جائز على السماء، نقول لا تنازع في جواز الخرق لكن القمر حينئذ تكون حركته في دائرة لا على خط مستقيم وهو غرضنا ولأنا نقول لو كان كذلك لكان القمر عند أهل المشرق وهو في منتصف نهارهم أكبر مقدارا لكونه قريبا من رؤوسهم ضرورة فرضه على سطح السماء الأدنى وعندنا في بحر السماء، وبالجملة الدلائل كثيرة. والإكثار منها يليق بكتب الهيئة التي الغرض منها بيان ذلك العلم، وليس الغرض في التفسير بيان ذلك غير أن القدر الذي أوردناه يكفي في بيان كونه فلكا مستديرا.
المسألة الرابعة : هذا يدل على أن لكل كوكب فلكا، فما قولك فيه؟ نقول : أما السبعة السيارة» «٢» فلكل

(١) الحمل من بروج الشمس الاثني عشر وقد نظمت في قول الشاعر :
حمل الثور جوزة السرطان ورعى الليث سنبل الميزان
ورمى عقرب بقوس لجدي نزح الدلو بركة الحيتان.
(٢) نظم بعضهم السبعة السيارة في بيت وهو :
زحل شرى مريخه من شمسه فتزاهرت لعطارد الأقمار
والمراد من قوله شرى كوكب المشترى : ولم يكن معروفا غير هذه السبعة عند القدماء، وقد اكتشف المحدثون كواكب أخرى جديدة منها نبتون وأورانوس.


الصفحة التالية
Icon