مفاتيح الغيب، ج
٢٦، ص : ٢٨٢
وفلك الجوزهر محيط، ومنهم من زاد في الخمسة في كل فلك فلكين آخرين وجعل تدويراتها مركبة من ثلاثة أفلاك، وقالوا إن بسبب هذه الأجرام تختلف حركات الكواكب ويكون لها عروض ورجوع واستقامة وبطء وسرعة. هذا كلامهم على سبيل الاقتناص والاقتصار ونحن نقول لا يبعد من قدرة اللّه خلق مثل ذلك، وأما على
سبيل الوجوب فلا نسلم ورجوعها واستقامتها بإرادة اللّه وكذلك عرضها وطولها وبطؤها وسرعتها وقربها وبعدها هذا تمام الكلام.
المسألة الخامسة : قال المنجمون الكواكب أحياء بدليل أنه تعالى قال : يَسْبَحُونَ وذلك لا يطلق إلا على العاقل، نقول إن أردتم القدر الذي يصح به التسبيح فنقول به لأنه ما من شيء من هذه الأشياء إلا وهو يسبح بحمد اللّه وإن أردتم شيئا آخر فلم يثبت ذلك والاستعمال لا يدل كما في قوله تعالى في حق الأصنام ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ [الصافات : ٩٢] وقوله :[ألا تنطقون ] «١». / ثم قال تعالى :
[سورة يس (٣٦) : آية ٤١]
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١)
ولها مناسبة مع ما تقدم من وجهين أحدهما : أنه تعالى لما من بإحياء الأرض وهي مكان الحيوانات بين أنه لم يقتصر بل جعل للإنسان طريقا يتخذ من البحر خيرا ويتوسطه أو يسير فيه كما يسير في البر وهذا حينئذ كقوله : وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الإسراء : ٧٠] ويؤيد هذا قوله تعالى : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ [يس : ٤٢] إذا فسرناه بأن المراد الإبل فإنها كسفن البراري وثانيهما : هو أنه تعالى لما بين سباحة الكواكب في الأفلاك وذكر ما هو مثله وهو سباحة الفلك في البحار، ولها وجه ثالث : وهي أن الأمور التي أنعم اللّه بها على عباده منها ضرورية ومنها نافعة والأول للحاجة والثاني للزينة فخلق الأرض وإحياؤها من القبيل الأول فإنها المكان الذي لولاه لما وجد الإنسان ولولا إحياؤها لما عاش والليل والنهار في قوله : وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ [يس : ٣٧] أيضا من القبيل الأول، لأنه الزمان الذي لولاه لما حدث الإنسان، والشمس والقمر وحركتهما لو لم تكن لما عاش، ثم إنه تعالى لما ذكر من القبيل الأول آيتين ذكر من القبيل الثاني وهو الزينة آيتين إحداهما :
الفلك التي تجري في البحر فيستخرج من البحر ما يتزين به كما قال تعالى : وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ [فاطر : ١٢] وثانيتهما : الدواب التي هي في البر كالفلك في البحر في قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ [يس : ٤٢] فإن الدواب زينة كما قال تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً [النحل : ٨] وقال : وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [النحل : ٦] فيكون استدلالا عليهم بالضروري والنافع لا يقال بأن النافع ذكره في قوله : جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ [يس : ٣٤] فإنها للزينة لأنا نقول ذلك حصل تبعا للضروري، لأن اللّه تعالى لما خلق الأرض منبته لدفع الضرورة وأنزل الماء عليها كذلك لزم أن يخرج من الجنة النخيل والأعناب بقدرة اللّه، وأما الفلك فمقصود لا تبع، ثم إذا علمت المناسبة ففي الآيات أبحاث لغوية ومعنوية : أما اللغوية : قال المفسرون الذرية هم الآباء أي حملنا آباءكم في الفلك والألف واللام للتعريف أي فلك نوح وهو مذكور في قوله : وَاصْنَعِ الْفُلْكَ [هود : ٣٧] ومعلوم عند العرب فقال الفلك، هذا قول بعضهم،

(١) لم نعثر عليها في المعجم وربما يقصد الآية ٦٣ و٦٥ من سورة الأنبياء.


الصفحة التالية
Icon