مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٢٨٩
البحث الثالث : وصف الضلال بالمبين قد ذكرنا معناه أنه لظهوره يبين نفسه أنه ضلال أي في ضلال لا يخفى على أحد أنه ضلال.
البحث الرابع : قد ذكرنا أن قوله : فِي ضَلالٍ يفيد كونهم مغمورين فيه غائصين، وقوله في مواضع عَلى بَيِّنَةٍ [الأنعام : ٥٧] وعَلى هُدىً [البقرة : ٥] إشارة إلى كونهم راكبين متن الطريق المستقيم قادرين عليه.
وأما المعنوية : فهي أنهم إنما وصفوا الذين آمنوا بكونهم في ضلال مبين لكونهم ظانين أن المؤمن كلامه متناقض ومن تناقض كلامه يكون في غاية الضلال، إنما قلنا ذلك لأنهم قالوا : أَنُطْعِمُ مَنْ / لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إشارة إلى أن اللّه إن شاء أن يطعمهم كان يطعمهم فلا تقدر على إطعامهم لأنه يكون تحصيلا للحاصل، وإن لم يشأ اللّه إطعامهم لا يقدر أحد على إطعامهم لامتناع وقوع ما لم يشأ اللّه فلا قدرة لنا على الإطعام، فكيف تأمرونا بالإطعام ووجه آخر : وهو أنهم قالوا أراد اللّه تجويعهم فلو أطعمناهم يكون ذلك سعيا في إبطال فعل اللّه وأنه لا يجوز وأنتم تقولون أطعموهم فهو ضلال ولم يكن في الضلال إلا هم حيث نظروا إلى المراد ولم ينظروا إلى الطلب والأمر، وذلك لأن العبد إذا أمره السيد بأمر لا ينبغي أن يكشف سبب الأمر والاطلاع على المقصود الذي أمر به لأجله. مثاله : الملك إذا أراد الركوب للهجوم على عدوه بحيث لا يطلع عليه أحد وقال لعبده أحضر المركوب، فلو تطلع واستكشف المقصود الذي لأجله الركوب لنسب إلى أنه يريد أن يطلع عدوه على الحذر منه وكشف سره، فالأدب في الطاعة وهو اتباع الأمر لا تتبع المراد، فاللّه تعالى إذا قال : أنفقوا مما رزقكم لا يجوز أن يقولوا : لم لم يطعمهم اللّه مما في خزائنه. ثم قال تعالى :
[سورة يس (٣٦) : آية ٤٨]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨)
وهو إشارة إلى ما اعتقدوه وهو أن التقوى المأمور بها في قوله : وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا [يس : ٤٥] والإنفاق المذكور في قوله تعالى : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا [يس : ٤٧] لا فائدة فيه لأن الوعد لا حقيقة له وقوله : مَتى هذَا الْوَعْدُ أي متى يقع الموعود به، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : وهي أن إن للشرط وهي تستدعي جزاء ومتى استفهام لا يصلح جزاء فما الجواب؟ نقول هي في الصورة استفهام، وفي المعنى إنكار كأنهم قالوا إن كنتم صادقين في وقوع الحشر فقولوا متى يكون.
المسألة الثانية : الخطاب مع من في قولهم : إِنْ كُنْتُمْ؟ نقول الظاهر أنه مع الأنبياء لأنهم لما أنكروا الرسالة قالوا إن كنتم يا أيها المدعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون.
المسألة الثالثة : ليس في هذا الموضع وعد فالإشارة بقوله : هذَا الْوَعْدُ إلى أي وعد؟ نقول هو ما في قوله تعالى : وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ [يس : ٤٥] من قيام الساعة، أو نقول هو معلوم وإن لم يكن مذكورا لكون الأنبياء مقيمين على تذكيرهم بالساعة والحساب والثواب والعقاب.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤٩ إلى ٥٠]
ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠)
ثم قال تعالى : ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً أي لا ينتظرون إلا الصيحة المعلومة والتنكير للتكثير، فإن


الصفحة التالية
Icon