مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٢٩٦
الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ
يدل على أن القول يوم القيامة لأنا نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن قوله : هُمْ مبتدأ وَأَزْواجُهُمْ عطف عليهم فيحتمل أن يكون هذا الكلام في يومنا هذا يخبرنا أن المؤمن وأزواجه في ظلال غدا وله ما يدعيه والجواب الثاني :/ وهو أولى هو أن نقول : معناه لهم ما يدعون أي ما كانوا يدعون. لا يقال بأنه إضمار حيث لا ضرورة وإنه غير جائز لأنا نقول على ما ذكرنا يبقى الادعاء مستعملا في معناه المشهور لأن الدعاء هو الإتيان بالدعوى وإنما قلنا إن هذا أولى لأن قوله : سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس : ٥٨] هو في دار الآخرة وهو كالتفسير لقوله : ما يَدَّعُونَ ولأن قوله : ما يَدَّعُونَ مذكور بين جمل كلها في الآخرة فما يدعون أيضا ينبغي أن يكون في الآخرة وفي الآخرة لا يبقى دعوى وبينة لظهور الأمور والفصل بين أهل الثبور والحبور. وقوله تعالى :
[سورة يس (٣٦) : آية ٥٨]
سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)
هو أكمل الأشياء وهو آخرها الذي لا شيء فوقه ولنبينه في مسائل :
المسألة الأولى : ما الرافع لقوله سَلامٌ؟ نقول يحتمل ذلك وجوها أحدها : هو بدل مما يدعون كأنه تعالى لما قال : لَهُمْ ما يَدَّعُونَ [يس : ٥٧] بينه ببدله فقال لهم سلام فيكون في المعنى كالمبتدأ الذي خبره جار ومجرور، كما يقال في الدار رجل ولزيد مال، وإن كان في النحو ليس كذلك بل هو بدل وبدل النكرة من المعرفة جائز فتكون ما بمعنى الذي معرفة وسلام نكرة، ويحتمل على هذا أن يقال ما في قوله تعالى : ما يَدَّعُونَ لا موصوفة ولا موصولة بل هي نكرة تقديره لهم شيء يدعون ثم بين بذكر البدل فقال : سَلامٌ والأول هو الصحيح وثانيها : سلام خبر ما ولهم لبيان الجهة تقديره ما يدعون سالم لهم أي خالص والسلام بمعنى السالم الخالص أو السليم يقال عبد السلام أي سليم من العيوب كما يقال لزيد الشرف متوفر والجار والمجرور يكون لبيان من له ذلك والشرف هو المبتدأ ومتوفر خبره وثالثها قوله تعالى : سَلامٌ منقطع عما تقدم وسلام مبتدأ وخبره محذوف تقديره سلام عليهم فيكون ذلك إخبارا من اللّه تعالى في يومنا هذا كأنه تعالى حكى لنا وقال : إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ [يس : ٥٥] ثم لما بين كمال حالهم قال سلام عليهم، وهذا كما في قوله تعالى : سَلامٌ عَلى نُوحٍ [الصافات : ٧٩] سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات : ١٨١] فيكون اللّه تعالى أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين وهذا وجه مبتكر جيد ما يدل عليه منقول، أو نقول تقديره سلام عليكم ويكون هذا نوعا من الالتفات حيث قال لهم كذا وكذا، ثم قال سلام عليكم.
المسألة الثانية : قَوْلًا منصوب بما ذا؟ نقول يحتمل وجوها أحدها : نصب على المصدر تقديره على قولنا المراد لهم سلام هو أن يقال لهم سلام يقوله اللّه قولا أو تقوله الملائكة قولا وعلى قولنا ما يدعون سالم لهم تقديره قال اللّه ذلك قولا ووعدهم بأن لهم ما يدعون سالم وعدا وعلى قولنا سلام عليهم تقديره أقوله قولا وقوله : مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يكون لبيان أن السلام منه أي سلام عليهم من رب رحيم أقوله قولا، ويحتمل أن يقال على هذا إنه تمييز لأن السلام قد يكون قولا وقد / يكون فعلا فإن من يدخل على الملك فيطأطئ رأسه يقول سلمت على الملك، وهو حينئذ كقول القائل البيع موجود حكما لا حسا وهذا ممنوع عنه قطعا لا ظنا.
المسألة الثالثة : قال في السلام مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ وقال في غيره من أنواع الإكرام نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ


الصفحة التالية
Icon