مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣١٠
الأزمنة الممتدة واللّه يخلق بكن فيكون، فكيف تضربون المثل الأدنى وله المثل الأعلى من أن يدرك. وفي الآية مباحث :
البحث الأول : قالت المعتزلة هذه الآية دالة على أن المعدوم شيء لأنه يقول لما أراده : كُنْ فَيَكُونُ فهو قبل القول له كن لا يكون وهو في تلك الحالة شيء حيث قال : إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً والجواب أن هذا بيان لعدم تخلف الشيء عن تعلق إرادته به، فقوله :(إذا) مفهوم / الحين والوقت والآية دالة على أن المراد شيء حين تعلق الإرادة به ولا دلالة فيها على أنه شيء قبل ما إذا أراد وحينئذ لا يرد ما ذكروه لأن الشيء حين تعلق الإرادة به شيء موجود لا يريده في زمان ويكون في زمان آخر بل يكون في زمان تعلق الإرادة، فإذا الشيء هو الموجود لا المعدوم لا يقال كيف يريد الموجود وهو موجود فيكون ذلك إيجادا لموجود؟ نقول هذا الإشكال من باب المعقولات ونجيب عنه في موضعه، وإنما غرضنا إبطال تمسكهم باللفظ، وقد ظهر أن المفهوم من هذا الكلام أنه يريد ما هو شيء إذا أراد، وليس في الآية أنه إذا أراد ما كان شيئا قبل تعلق الإرادة.
البحث الثاني : قالت الكرامية للّه إرادة محدثة بدليل قوله تعالى : إِذا أَرادَ ووجه دلالته من أمرين أحدهما : من حيث إنه جعل للإرادة زمانا، فإن إذا ظرف زمان وكل ما هو زماني فهو حادث وثانيهما : هو أنه تعالى جعل إرادته متصلة بأمره وأمره متصل بقوله : كُنْ وقوله : كُنْ متصل بكون الشيء ووقوعه لأنه تعالى قال : فَيَكُونُ بفاء التعقيب لكن الكون حادث، وما قبل الحادث متصل به حادث، والفلاسفة وافقوهم في هذا الإشكال من وجه آخر فقالوا إرادته متصلة بأمره وأمره متصل بالكون ولكن إرادته قديمة فالكون قديم فمكونات اللّه قديمة، وجواب الضالين من التمسك باللفظ هو أن المفهوم من قوله : إِذا أَرادَ من حيث اللغة إذا تعلقت إرادته بالشيء لأن قوله : أَرادَ فعل ماض، وإذا دخلت كلمة إذا على الماضي تجعله في معنى المستقبل، ونحن نقول بأن مفهوم قولنا أراد ويريد وعلم ويعلم يجوز أن يدخله الحدوث، وإنما نقول للّه تعالى صفة قديمة هي الإرادة وتلك الصفة إذا تعلقت بشيء نقول أراد ويريد، وقبل التعلق لا نقول أراد وإنما نقول له إرادة وهو بها مريد، ولنضرب مثالا للأفهام الضعيفة ليزول ما يقع في الأوهام السخيفة، فنقول قولنا فلان خياط يراد به أن له صنعة الخياطة فلو لم يصح منا أن نقول إنه خاط ثوب زيد أو يخيط ثوب زيد لا يلزم منه نفي صحة قولنا إنه خياط بمعنى أن له صنعة بها يطلق عليه عند استعماله تلك الصنعة في ثوب زيد في زمان ماض خاط ثوبه، وبها يطلق عليه عند استعماله تلك الصنعة في ثوب زيد في زمان مستقبل يخيط ثوبه، وللّه المثل الأعلى فافهم أن الإرادة أمر ثابت إن تعلقت بوجود شيء نقول أراد وجوده أي يريد وجوده، وإذا علمت هذا فهو في المعنى من كلام أهل السنة تعلق الإرادة حادث وخرج بما ذكرنا جواب الفريقين.
البحث الثالث : قالت المعتزلة والكرامية كلام اللّه حرف وصوت وحادث لأن قوله : كُنْ كلام وكُنْ من حرفين، والحرف من الصوت، ويلزم من هذا أن كلامه من الحروف والأصوات، وأما أنه حادث فلما تقدم من الوجهين أحدهما : أنه زماني والثاني : أنه متصل بالكون والكون حادث، والجواب يعلم مما ذكرنا، وذلك لأن الكلام صفة إذا تعلقت بشيء تقول قال ويقول فتعلق الخطاب حادث والكلام قديم فقوله تعالى : إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فيه تعلق وإضافة لأن قوله تعالى : يَقُولَ لَهُ باللام للإضافة صريح في التعلق / ونحن نقول إن قوله للشيء الحادث حادث لأنه مع التعلق، وإنما القديم قوله وكلامه لا مع التعلق وكل قديم


الصفحة التالية
Icon