مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣١٧
تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل : ٨١] والثاني أن الشرق أقوى حالا من الغروب وأكثر نفعا من الغروب فذكر الشرق تنبيها على كثرة إحسان اللّه تعالى على عباده، ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه السلام بالمشرق فقال :
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ [البقرة : ٢٥٨].
المسألة الخامسة : احتج الأصحاب بقوله تعالى : رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما على كونه تعالى خالقا لأعمال العباد، قالوا لأن أعمال العباد موجود فيما بين السموات والأرض، وهذه الآية دالة على أن كل ما حصل بين السموات والأرض فاللّه ربه ومالكه، فهذا يدل على أن فعل العبد حصل بخلق اللّه، وإن قالوا الأعراض لا يصح وصفها بأنها حصلت بين السموات والأرض لأن هذا الوصف إنما يليق بما يكون حاصلا في حيز وجهة والأعراض ليست كذلك، قلنا إنها لما / كانت حاصلة في الأجسام الحاصلة بين السموات والأرض فهي أيضا حاصلة بين السماء والأرض. ثم قال تعالى :
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٦ إلى ١٠]
إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠)
[في قوله تعالى إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ] في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة وحفص عن عاصم زينة منونة الكواكب بالجر وهو قراءة مسروق بن الأجدع، قال الفراء وهو رد معرفة على نكرة كما قال : بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ [العلق : ١٥، ١٦] فرد نكرة على معرفة وقال الزجاج الكواكب بدل من الزينة، لأنها هي كما تقول مررت بأبي عبد اللّه زيد. وقرأ عاصم بالتنوين في الزينة ونصب الكواكب قال الفراء : يريد زينا الكواكب، وقال الزجاج : يجوز أن تكون الكواكب في النصب بدلا من قوله بزينة، لأن بزينة في موضع نصب وقرأ الباقون (بزينة الكواكب) بالجر على الإضافة.
المسألة الثانية : بين تعالى أنه زين السماء الدنيا، وبين أنه إنما زينها لمنفعتين إحداهما : تحصيل الزينة والثانية : الحفظ من الشيطان المارد، فوجب أن نحقق الكلام في هذه المطالب الثلاثة أما الأول : وهو تزيين السماء الدنيا بهذه الكواكب، فلقائل أن يقول إنه ثبت في علم الهيئة أن هذه الثوابت مركوزة في الكرة الثامنة، وأن السيارات الستة مركوزة في الكرات الست المحيطة بسماء الدنيا فكيف يصح قوله : إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ والجواب أن الناس الساكنين على سطح كرة الأرض إذا نظروا إلى السماء فإنهم يشاهدونها مزينة بهذه الكواكب، وعلى أنا قد بينا في علم الهيئة أن الفلاسفة لم يتم لهم دليل في بيان أن هذه الكواكب مركوزة في الفلك الثامن، ولعلنا شرحنا هذا الكلام في تفسير سورة تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك : ١] في تفسير قوله تعالى : وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ [الملك : ٥]، وأما المطلوب الثاني : وهو كون هذه الكواكب زينة السماء الدنيا ففيه بحثان :