مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٢٦
البحث الأول : قوله : فَإِنَّما جواب شرط مقدر والتقدير إذا كان كذلك فما هي إلا زجرة واحدة.
البحث الثاني : الضمير في قوله : فَإِنَّما هِيَ ضمير على شريطة التفسير، والتقدير فإنما البعث زجرة واحدة.
البحث الثالث : الزجرة في اللغة الصيحة التي يزجر بها كالزجرة بالنعم والإبل عند الحث ثم كثر استعمالها حتى صارت بمعنى الصيحة وإن لم يكن فيها معنى الزجر كما في هذه الآية وأقول لا يبعد أن يقال إن تلك الصيحة إنما سميت زجرة لأنها تزجر الموتى عن الرقود في القبور وتحثهم على القيام من القبور والحضور في موقف القيامة، فإذا عرفت هذا فنقول المراد من هذه الزجرة ما ذكره اللّه تعالى في قوله : ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر : ٦٨] فبالنفخة الأولى يموتون وبالنفخة الثانية يحيون ويقومون، وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : ما الفائدة في هذه الصيحة فإن القوم في تلك الساعة أموات لأن النفخة جارية مجرى السبب لحياتهم فتكون مقدمة على حصول حياتهم فثبت أن هذه الصيحة إنما حصلت حال كون الخلق أمواتا، فتكون تلك الصيحة عديمة الفائدة فهي عبث والعبث لا يجوز في فعل اللّه والجواب : أما أصحابنا فيقولون يفعل اللّه ما يشاء، وأما المعتزلة فقال القاضي فيه ووجهان الأول : أن تعتبر بها الملائكة الثاني : أن تكون الفائدة التخويف والإرهاب.
السؤال الثاني : هل لتلك الصيحة تأثير في إعادة الحياة؟ الجواب : لا، بدليل أن الصيحة الأولى استعقبت الموت والثانية الحياة وذلك يدل على أن الصيحة لا أثر لها في الموت ولا في الحياة، بل خالق الموت والحياة هو اللّه تعالى كما قال : الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الملك : ٢].
السؤال الثالث : تلك الصيحة صوت الملائكة أو اللّه تعالى يخلقها ابتداء؟ الجواب : الكل / جائز إلا أنه
روي أن اللّه تعالى يأمر إسرافيل حتى ينادي : أيتها العظام النخرة والجلود البالية والأجزاء المتفرقة اجتمعوا باذن اللّه تعالى :
اللفظ الرابع : من الألفاظ المذكورة في هذه الآية قوله تعالى : فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ فيحتمل أن يكون المراد ينظرون ما يحدث بهم ويحتمل ينظر بعضهم إلى بعض وأن يكون المراد ينظرون إلى البعث الذي كذبوا به الحالة الثانية : من وقائع القيامة ما أخبر اللّه عنهم أنهم بعد القيام من القبور قالوا : يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ قال الزجاج الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة والمقصود أنهم لما شاهدوا القيامة قالوا : هذا يَوْمُ الدِّينِ أي يوم الجزاء هذا، والمقصود أن اللّه تعالى ذكر في آيات كثيرة من القرآن، أنا نرى في الدنيا محسنا ومسيئا وعاصيا وصديقا وزنديقا، ورأينا أنه لم يصل إليهم في الدنيا ما يليق بهم من الجزاء فوجب القول بإثبات القيامة : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم : ٣١] وبالجملة فهذا يدل على أن الجزاء إنما يحصل بعد الموت، والكفار وإن سمعوا هذا الدليل القوي لكنهم أنكروا وتمردوا ثم إنه تعالى إذا أحياهم يوم القيامة فإذا شاهدوا القيامة يذكرون ذلك اليوم ويقولون : هذا يَوْمُ الدِّينِ أي يوم الجزاء الذي ذكر اللّه الدلائل الكثيرة عليه في القرآن فكفرنا بها، ونظيره أن من خوف بشيء ولم يتلفت إليه، ثم عاينه بعد ذلك فقد يقول هذا يوم الواقعة الفلانية فكذا هاهنا، وفيه احتمال آخر وهو أنه تعالى قال في سورة الفاتحة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة : ٤] فبين أنه لا مالك في ذلك اليوم إلا اللّه فقولهم هذا يوم الدين، إشارة إلى أن


الصفحة التالية
Icon