مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٢٨
هناك وتحصل المسألة هناك ثم من هناك يساقون إلى النار وعلى هذا التقدير فظاهر النظم موافق لما عليه الوجه.
البحث الثاني : الآمر في قوله تعالى : احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا هو اللّه فهو تعالى أمر الملائكة أن يحشروا الكفار إلى موقف السؤال والمراد من الحشر أن الملائكة يسوقونهم إلى ذلك الموقف.
البحث الثالث : أن اللّه أمر الملائكة بحشر ثلاثة أشياء : الظالمين، وأزواجهم، والأشياء التي كانوا يعبدونها. وفيه فوائد :
الفائدة الأولى : أنه تعالى قال : احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا ثم ذكر من صفات الذين ظلموا كونهم عابدين لغير اللّه وهذا يدل على أن الظالم المطلق هو الكافر وذلك يدل على أن كل وعيد ورد في حق الظالم فهو مصروف إلى الكفار ومما يؤكد هذا قوله تعالى : وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة : ٢٥٤].
الفائدة الثانية : اختلفوا في المراد بأزواجهم وفيه ثلاثة أقوال الأول : المراد بأزواجهم أشباههم أي أحزابهم ونظراؤهم من الكفر فاليهودي مع اليهودي والنصراني مع النصراني والذي يدل على جواز أن يكون المراد من الأزواج الأشباه وجوه الأول : قوله تعالى : وَكُنْتُمْ / أَزْواجاً ثَلاثَةً [الواقعة : ٧] أي أشكالًا وأشباهاً الثاني :
أنك تقول عندي من هذا أزواج أي أمثال وتقول زوجان من الخف لكون كل واحد منهما نظير الآخر وكذلك الرجل والمرأة سميا زوجين لكونهما متشابهين في أكثر أحكام النكاح وكذلك العدد الزوج سمي بهذا الاسم لكون كل واحد من سميه مثالا للقسم الثاني في العدد الصحيح، قال الواحدي فعلى هذا القول يجب أن يكون المراد بالذين ظلموا الرؤساء لأنك لو جعلت الذين ظلموا عاما في كل من أشرك لم يكن للأزواج معنى القول الثاني : في تفسير الأزواج أن المراد قرناؤهم من الشياطين لقوله تعالى : وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف : ٢٠٢]، والقول الثالث : أن المراد نساؤهم اللواتي على دينهم. أما قوله : وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ففيه قولان الأول : المراد ما كانوا يعبدون من دون اللّه من الأوثان والطواغيت، ونظيره قوله : فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [البقرة : ٢٤] قيل المراد بالناس عباد الأوثان والمراد بالحجارة الأصنام التي هي أحجار منحوتة، فإن قيل إن تلك الأحجار جمادات فما الفائدة في حشرها إلى جهنم؟ أجاب القاضي بأنه ورد الخبر بأنها تعاد وتحيا لتحصل المبالغة في توبيخ الكفار الذين كانوا يعبدونها ولقائل أن يقول هب أن اللّه تعالى يحيي تلك الأصنام إلا أنه لم يصدر عنها ذنب، فكيف يجوز من اللّه تعالى تعذيبها؟ والأقرب أن يقال إن اللّه تعالى لا يحيي تلك الأصنام بل يتركها على الجمادية. ثم يلقيها في جهنم لأن ذلك مما يزيد في تخجيل الكفار القول الثاني : أن المراد من قوله : وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة ما عبدوا فلما قبلوا منهم ذلك الدين صاروا كالعابدين لأولئك الشياطين وتأكد هذا بقوله تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [يس : ٦٠] والقول الأول أولى لأن الشياطين عقلاء وكلمة ما لا تليق بالعقلاء واللّه أعلم.
ثم قال : فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ قال ابن عباس : دلوهم يقال هديت الرجل إذا دللته وإنما استعملت الهداية هاهنا، لأنه جعل بدل الهداية إلى الجنة، كما قال : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران : ٢١] فوقعت البشارة بالعذاب لهؤلاء بدل البشارة بالنعيم لأولئك، وعن ابن عباس فَاهْدُوهُمْ سوقوهم وقال الأصم : قدموهم، قال الواحدي : وهذا وهم. لأنه يقال هدى إذا تقدم ومنه الهداية والهوادي والهاديات


الصفحة التالية
Icon