مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٣٤
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى كما ذكر في أهل الجنة أنهم يتساءلون عند الاجتماع على / شرب خمر الجنة فإن محادثة العقلاء بعضهم مع بعض على الشرب من الأمور اللذيذة، وتذكر الخلاص عند اجتماع أسباب الهلاك من الأمور اللذيذة، ذكر تعالى في هذه الآية أن أهل الجنة إذا اجتمعوا على الشرب وأخذوا في المكالمة والمساءلة كان من جملة تلك الكلمات أنهم يتذكرون أنهم كان قد حصل لهم في الدنيا ما يوجب لهم الوقوع في عذاب اللّه، ثم إنهم تخلصوا عنه وفازوا بالسعادة الأبدية، والمقصود من ذكر هذه الأشياء أن أهل الجنة يتكامل سرورهم وبهجتهم.
أما قوله : قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ أي قال قائل من أهل الجنة إني كان لي قرين في الدنيا يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أي كان يوبخني على التصديق بالبعث والقيامة ويقول تعجبا : أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ أي لمحاسبون ومجازون، والمعنى أن ذلك القرين كان يقول هذه الكلمات على سبيل الاستنكار، ثم إن ذلك الرجل الذي هو من أهل الجنة يقول لجلسائه يدعوهم إلى كمال السرور بالاطلاع إلى النار لمشاهدة ذلك القرين ومخاطبته هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ والأقرب أنه تكلف أمرا اطلع معه لأنه لو كان مطلعا بلا تكلف لم يكن إلى اطلاعه حاجة فلذلك قال بعضهم إنه ذهب إلى بعض أطراف الجنة فاطلع عندها إلى النار فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ أي في وسط الجحيم قال له موبخا : تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ أي لتهلكني بدعائك إياي إلى إنكار البعث والقيامة وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي بالإرشاد إلى الحق والعصمة عن الباطل لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ في النار مثلك، ولما تمم ذلك الكلام مع الرجل الذي كان في الدنيا قرينا له وهو الآن من أهل النار عاد إلى مخاطبة جلسائه الذين هم من أهل الجنة فقال : أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ وفيه قولان الأول : أن أهل الجنة لا يعلمون في أول دخولهم في الجنة أنهم لا يموتون، فإذا جيء بالموت على صورة كبش أملح وذبح فعند ذلك يعلمون أنهم لا يموتون فلعل هذا الكلام حصل قبل ذبح الموت والثاني : أن الذي يتكامل خيره وسعادته فإذا عظم تعجبه بها قد يقول أيدوم هذا لي؟ أفيبقى هذا لي؟ وإن كان على يقين من دوامه، ثم عند


الصفحة التالية
Icon