مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٥٠
والمناسبة كما في رؤيا يوسف عليه السلام، فلهذا السبب أطبق أهل التعبير على أن المنامات واقعة على هذه الوجوه الثلاثة.
المسألة السادسة : قرأ حمزة والكسائي : ترى بضم التاء وكسر الراء، أن ما ترى من نفسك من الصبر والتسليم؟ وقيل ما تشير، والباقون بفتح التاء، ثم منهم من يميل ومنهم من لا يميل.
المسألة السابعة : الحكمة في مشاورة الإبن في هذا الباب أن يطلع ابنه على هذه الواقعة ليظهر له صبره في طاعة اللّه فتكون فيه قرة عين لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحلم إلى هذا الحد العظيم، وفي الصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالمية ويحصل للابن الثواب العظيم في الآخرة والثناء الحسن في الدنيا، ثم إنه تعالى حكى عن ولد إبراهيم عليه السلام أنه قال افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ومعناه افعل ما تؤمر به، فحذف الجار كما حذف من قوله :
أمرتك الخبر فافعل ما أمرت [به ]
ثم قال تعالى : سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ وإنما علق ذلك بمشيئة اللّه تعالى على سبيل التبرك والتيمن، وأنه لا حول عن معصية اللّه إلا بعصمة اللّه ولا قوة على طاعة اللّه إلا بتوفيق اللّه.
ثم قال تعالى : فَلَمَّا أَسْلَما يقال سلم لأمر اللّه وأسلم واستسلم بمعنى واحد، وقد قرئ بهن جميعا إذ انقاد له وخضع، وأصلها من قولك سلم هذا لفلان إذا خلص له، ومعناه سلم من أن ينازع فيه، وقولهم سلم لأمر اللّه وأسلم له منقولان عنه بالهمزة، وحقيقة معناها أخلص نفسه للّه وجعلها سالمة له خالصة، وكذلك معنى استسلم استخلص نفسه للّه وعن قتادة في أسلما أسلم هذا ابنه وهذا نفسه، ثم قال تعالى : وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي صرعه على شقه فوقع أحد جبينيه على الأرض وللوجه جبينان، والجبهة بينهما، قال ابن الأعرابي التليل والمتلول المصروع والمتل الذي يتل به أي يصرع، فالمعنى أنه صرعه على جبينه، وقال مقاتل كبه على جبهته، وهذا خطأ لأن الجبين غير الجبهة.
ثم قال تعالى : وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا وفيه قولان الأول : أن هذا جواب فلما عند الكوفيين والفراء والواو زائدة والقول الثاني : أن عند البصريين لا يجوز ذلك والجواب مقدر والتقدير : فلما فعل ذلك وناداه اللّه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، سعد سعادة عظيمة وآتاه اللّه نبوة ولده وأجزل له الثواب، قالوا وحذف الجواب ليس بغريب في القرآن والفائدة فيه أنه إذا كان محذوفا كان أعظم وأفخم، قال المفسرون لما أضجعه للذبح نودي من الجبل : يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا قال المحققون : السبب في هذا التكليف كمال طاعة إبراهيم لتكاليف اللّه تعالى فلما كلفه اللّه تعالى بهذا التكليف الشاق الشديد وظهر منه كمال الطاعة وظهر من ولده كمال الطاعة والانقياد، لا جرم قال قد صدقت الرؤيا، يعني حصل المقصود من تلك الرؤيا.
وقوله : إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ابتداء إخبار من اللّه تعالى، وليس يتصل بما تقدم من الكلام، والمعنى أن إبراهيم وولده كانا محسنين في هذه الطاعة، فكما جزينا هذين المحسنين فكذلك نجزي كل المحسنين.
ثم قال تعالى : إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ أي الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الذبح مصدر ذبحت والذبح أيضا ما يذبح وهو المراد في هذه الآية، وهاهنا مباحث تتعلق بالحكايات فالأول : حكي في قصة الذبيح أن إبراهيم عليه


الصفحة التالية
Icon