مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٦٧
وقال الأخفش إنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفي الأحيان وحِينَ مَناصٍ منصوب بها كأنك قلت ولات حين مناص لهم ويرتفع بالابتداء أي ولات حين مناص كائن لهم.
البحث الثاني : الجمهور يقفون على التاء من قوله : وَلاتَ والكسائي يقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة، قال صاحب «الكشاف» : وأما قول أبي عبيدة التاء داخلة على الحين فلا وجه له، واستشهاده بأن التاء ملتزقة بحين في مصحف عثمان فضعيف فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن قياس الخط.
البحث الثالث : المناص المنجا والغوث، يقال ناصه ينوصه إذا أغاثه، واستناص طلب المناص، واللّه أعلم.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٤ إلى ٧]
وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧)
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار كونهم في عزة وشقاق أردفه بشرح كلماتهم الفاسدة فقال وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ في قوله : مِنْهُمْ وجهان الأول : أنهم قالوا إن محمدا مساو لنا في الخلفة الظاهرة والأخلاق الباطنة والنسب والشكل والصورة، فكيف يعقل أن يختص من بيننا بهذا المنصب العالي والدرجات الرفيعة والثاني : أن الغرض من هذه الكلمة التنبيه على كمال / جهالتهم، وذلك لأنه جاءهم رجل يدعوهم إلى التوحيد وتعظيم الملائكة والترغيب في الآخرة، والتنفير عن الدنيا، ثم إن هذا الرجل من أقاربهم يعلمون أنه كان بعيدا من الكذب والتهمة، وكل ذلك مما يوجب الاعتراف بتصديقه، ثم إن هؤلاء الأقوام لحماقتهم يتعجبون من قوله، ونظيره قوله : أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ [المؤمنون : ٦٩] فقال : وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ومعناه أن محمدا كان من رهطهم وعشيرتهم وكان مساويا لهم في الأسباب الدنيوية فاستنكفوا من الدخول تحت طاعته ومن الانقياد لتكاليفه، وعجبوا أن يختص هو من بينهم برسالة اللّه وأن يتميز عنهم بهذه الخاصية الشريفة، وبالجملة فما كان لهذا التعجب سبب إلا الحسد.
ثم قال تعالى : وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ وإنما لم يقل وقالوا بل قال : وَقالَ الْكافِرُونَ إظهارا للتعجب ودلالة على أن هذا القول لا يصدر إلا عن الكفر التام، فإن الساحر هو الذي يمنع من طاعة اللّه ويدعو إلى طاعة الشيطان وهو عندكم بالعكس من ذلك والكذاب هو الذي يخبر عن الشيء لا على ما هو عليه وهو يخبر عن وجود الصانع القديم الحكيم العليم وعن الحشر والنشر وسائر الأشياء التي تثبت بدلائل العقول صحتها فكيف يكون كذابا، ثم إنه تعالى حكى جميع ما عولوا عليه في إثبات كونه كاذبا وهي ثلاثة أشياء أحدها : ما يتعلق بالإلهيات وثانيها : ما يتعلق بالنبوات وثالثها : ما يتعلق بالمعاد، أما الشبهة المتعلقة بالإلهيات فهي قولهم أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ
روي أنه لما أسلم عمر فرح به المسلمون فرحا شديدا وشق ذلك على قريش فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يعنون المسلمين فجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر أبو طالب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم وقال يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك،


الصفحة التالية
Icon