مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٣٨٦
مذهب الشافعي رضي اللّه عنه أن هذا الموضع ليس فيه سجدة التلاوة قال لأن توبة نبي فلا توجب سجدة التلاوة الخامس : استشهد أبو حنيفة رضي اللّه عنه بهذه الآية في سجود التلاوة على أن الركوع يقوم مقام السجود.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٢٦ إلى ٢٩]
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩)
اعلم أنه تعالى لما تمم الكلام في شرح القصة أردفها ببيان أنه تعالى فوض إلى داود خلافة الأرض، وهذا من أقوى الدلائل على فساد القول المشهور في تلك القصة، لأن من البعيد جدا أن يوصف الرجل بكونه ساعيا في سفك دماء المسلمين، راغبا في انتزاع أزواجهم منهم ثم يذكر عقيبه أن اللّه تعالى فوض خلافة الأرض إليه، ثم نقول في تفسير كونه خليفة وجهان الأول : جعلناك تخلف من تقدمك من الأنبياء في الدعاء إلى اللّه تعالى، وفي سياسة الناس لأن خليفة الرجل من يخلفه، وذلك إنما يعقل في حق من يصح عليه الغيبة، وذلك على اللّه محال الثاني : إنا جعلناك مالكا للناس ونافذ الحكم فيهم فبهذا التأويل يسمى خليفة، ومنه يقال خلفاء اللّه في أرضه، وحاصله أن خليفة الرجل يكون نافذ الحكم في رعيته وحقيقة الخلافة ممتنعة في حق اللّه، فلما امتنعت الحقيقة جعلت اللفظة مفيدة اللزوم في تلك الحقيقة وهو نفاذ الحكم.
ثم قال تعالى : فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ واعلم أن الإنسان خلق مدنيا بالطبع، لأن الإنسان الواحد لا ينتظم مصالحه إلا عند وجود مدينة تامة حتى أن هذا يحرث، وذلك يطحن، وذلك يخبز، وذلك ينسج، وهذا يخيط، وبالجملة فيكون كل واحدة منهم مشغولا بمهم، وينتظم من / أعمال الجميع مصالح الجميع. فثبت أن الإنسان مدني بالطبع وعند اجتماعهم في الموضع الواحد يحصل بينهم منازعات ومخاصمات ولا بد من إنسان قادر قاهر يقطع تلك الخصومات وذلك هو السلطان الذي ينفذ حكمه على الكل فثبت أنه لا ينتظم مصالح الخلق إلا بسلطان قاهر سائس، ثم إن ذلك السلطان القاهر السائس إن كان حكمه على وفق هواه ولطلب مصالح دنياه عظم ضرره على الخلق فإنه يجعل الرعية فداء لنفسه ويتوسل بهم إلى تحصيل مقاصد نفسه، وذلك يفضي إلى تخريب العالم ووقوع الهرج والمرج في الخلق، وذلك يفضي بالآخرة إلى هلاك ذلك الملك، أما إذا كانت أحكام ذلك الملك مطابقة للشريعة الحقة الإلهية انتظمت مصالح العالم، واتسعت أبواب الخيرات على أحسن الوجوه. فهذا هو المراد من قولهم : فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ يعني لا بد من حاكم بين الناس بالحق فكن أنت. ذلك الحاكم ثم قال : وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الآية، وتفسيره أن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل اللّه، والضلال عن سبيل اللّه يوجب سوء العذاب، فينتج أن متابعة الهوى توجب سوء العذاب.
أما المقام الأول : وهو أن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل اللّه فتقريره أن الهوى يدعو إلى


الصفحة التالية
Icon