مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٤٠٣
الصفة، ثم إنه تعالى أخبر عن دوام هذا الثواب فقال : إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٥٥ إلى ٦٤]
هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)
اعلم أنه تعالى لما وصف ثواب المتقين، وصف بعده عقاب الطاغين، ليكون الوعيد مذكورا عقيب الوعد، والترهيب عقيب الترغيب.
واعلم أنه تعالى ذكر من أحوال أهل النار أنواعا فالأول : مرجعهم ومآبهم، فقال : هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ [ص : ٥٥] وهذا في مقابلة قوله : وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ [ص : ٤٩] فبين تعالى أن حال الطاغين مضاد لحال المتقين، واختلفوا في المراد بالطاغين، فأكثر المفسرين حملوه على الكفار، وقال الجبائي : إنه محمول على أصحاب الكبائر سواء كانوا كفارا أو لم يكونوا كذلك، واحتج الأولون بوجوه الأول : أن قوله : لَشَرَّ مَآبٍ يقتضي أن يكون مآبهم شرا من مآب غيرهم، وذلك لا يليق إلا بالكفار الثاني : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا :
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا وذلك لا يليق إلا بالكفار، لأن الفاسق لا يتخذ المؤمن سخريا الثالث : أنه اسم ذم، والاسم المطلق محمول على الكامل، والكامل في الطغيان هو الكافر، واحتج الجبائي على صحة قوله بقوله تعالى :/ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق : ٦، ٧] وهذا يدل على أن الوصف بالطغيان قد يحصل في حق صاحب الكبيرة، ولأن كل من تجاوز عن تكاليف اللّه تعالى وتعداها فقد طغى، إذا عرفت هذا فنقول : قال ابن عباس رضي اللّه عنهما، المعنى أن الذين طغوا وكذبوا رسلي لهم شر مآب، أي شر مرجع ومصير، ثم قال : جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها والمعنى أنه تعالى لما حكم بأن الطاغين لهم شر مآب فسره بقوله : جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها ثم قال : فَبِئْسَ الْمِهادُ وهو كقوله : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الأعراف : ٤١] شبه اللّه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم.
ثم قال تعالى : هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : فيه وجهان الأول : أنه على التقديم والتأخير، والتقدير هذا حميم وغساق فليذوقوه الثاني : أن يكون التقدير جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه، ثم يبتدئ فيقول : حميم وغساق.


الصفحة التالية
Icon