مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٤١١
التأويلات، فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر، ولا بد له من قبول دلائل العقل.
الحجة الثانية : في إبطال قولهم إنهم إذا أثبتوا الأعضاء للّه تعالى، فإن أثبتوا له عضو الرجل فهو رجل، وأن أثبتوا له عضو النساء فهو أنثى، وإن نفوهما فهو خصي أو عنين، وتعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
الحجة الثالثة : أنه في ذاته سبحانه وتعالى، إما أن يكون جسما صلبا لا ينغمز ألبتة، فيكون حجرا صلبا، وإما أن يكون قابلًا للانغماز، فيكون لينا قابلًا للتفرق والتمزق. وتعالى اللّه عن ذلك.
الحجة الرابعة : أنه إن كان بحيث لا يمكنه أن يتحرك عن مكانه، كان كالزمن المقعد العاجز، وإن كان بحيث يمكنه أن يتحرك عن مكانه، كان محلا للتغيرات، فدخل تحت قوله : لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام : ٧٦].
الحجة الخامسة : إن كان لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يتحرك كان كالميت، وإن كان يفعل هذه الأشياء، كان إنسانا كثير التهمة محتاجا إلى الأكل والشرب والوقاع وذلك باطل.
الحجة السادسة : أنهم يقولون إنه ينزل كل ليلة من العرش إلى السماء الدنيا، فنقول لهم حين نزوله : هل يبقى مدبرا للعرش ويبقى مدبرا للسماء الدنيا حين كان على العرش، وحينئذ لا يبقى في النزول فائدة، وإن لم يبق مدبرا للعرش فعند نزوله يصير معزولا عن إلهية العرش والسموات.
الحجة السابعة : أنهم يقولون إنه تعالى أعظم من العرش، وإن العرش لا نسبة لعظمته إلى عظمة الكرسي، وعلى هذا الترتيب حتى ينتهي إلى السماء الدنيا، فإذا كان كذلك كانت السماء الدنيا بالنسبة إلى عظمة اللّه كالذرة بالنسبة إلى البحر، فإذا نزل فإما أن يقال إن الإله يصير صغيرا بحيث تسعه السماء الدنيا، وإما أن يقال إن السماء الدنيا تصير أعظم من العرش، وكل ذلك باطل.
الحجة الثامنة : ثبت أن العالم كرة، فإن كان فوق بالنسبة إلى قوم كان تحت بالنسبة إلى قوم آخرين وذلك باطل، وإن كان فوق بالنسبة إلى الكل، فحينئذ يكون جسما محيطا بهذا العالم من كل الجوانب، فيكون إله العالم على هذا القول فلكا من الأفلاك.
الحجة التاسعة : لما كانت الأرض كرة، وكانت السموات كرات، فكل ساعة تفرض الساعات فإنها تكون ثلث الليل في حق أقوام معينين من سكان كرة العوارض، فلو نزل من العرش في ثلث الليل وجب أن يبقى أبدا نازلا عن العرش، وأن لا يرجع إلى العرش ألبتة.
الحجة العاشرة : أنا إنما زيفنا إلهية الشمس والقمر لثلاثة أنواع من العيوب أولها : كونه مؤلفا من الأجزاء والأبعاض وثانيها : كونه محدودا متناهيا وثالثها : كونه موصوفا بالحركة والسكون والطلوع والغروب، فإذا كان إله المشبهة مؤلفا من الأعضاء والأجزاء كان مركبا، فإذا كان على العرش كان محدودا متناهيا، وإن كان ينزل من العرش ويرجع إليه كان موصوفا بالحركة والسكون، فهذه الصفات الثلاثة إن كانت منافية للإلهية وجب تنزيه الإله عنها بأسرها، وذلك يبطل قول المشبهة، وإن لم تكن منافية للإلهية فحينئذ لا يقدر أحد على الطعن في إلهية الشمس والقمر.
الحجة الحادية عشرة : قوله تعالى : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص : ١] ولفظ الأحد مبالغة في الوحدة، وذلك ينافي كونه مركبا من الأجزاء والأبعاض.


الصفحة التالية
Icon