مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٤٣٢
بإزالة ما لا ينبغي فقال : اتَّقُوا رَبَّكُمْ لأن التقوى هي الاحتراز عما لا ينبغي ثم ذكر عقيبه الأمر بتحصيل ما ينبغي فقال : إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وهذا يشتمل على قيدين أحدهما : الأمر بعبادة اللّه الثاني : كون تلك العبادة خالصة عن شوائب الشرك الجلي وشوائب الشرك الخفي، وإنما خص اللّه تعالى الرسول بهذا الأمر لينبه على أن غيره بذلك أحق فهو كالترغيب للغير، وقوله تعالى : وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ لا شبهة في أن المراد إني أول من تمسك بالعبادات التي أرسلت بها، وفي هذه الآية فائدتان :
الفائدة الأولى : كأنه يقول إني لست من الملوك الجبابرة الذين يأمرون الناس بأشياء وهم لا يفعلون ذلك، بل كل ما أمرتكم به فأنا أول الناس شروعا فيه وأكثرهم مداومة عليه.
الفائدة الثانية : أنه قال : إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ والعبادة لها ركنان عمل القلب وعمل الجوارح، وعمل القلب أشرف من عمل الجوارح، فقدم ذكر الجزء الأشرف وهو قوله : مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ثم ذكر عقيبه الأدون وهو عمل الجوارح وهو الإسلام، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلّم / فسر الإسلام في خبر جبريل عليه السلام بالأعمال الظاهرة، وهو المراد بقوله في هذه الآية : وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ وليس لقائل أن يقول ما الفائدة في تكرير لفظ أُمِرْتُ لأنا نقول ذكر لفظ أُمِرْتُ أولًا في عمل القلب وثانيا في عمل الجوارح ولا يكون هذا تكريرا.
الفائدة الثالثة : في قوله : وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ التنبيه على كونه رسولا من عند اللّه واجب الطاعة، لأن أول المسلمين في شرائع اللّه لا يمكن أن يكون إلا رسول اللّه، لأن أول من يعرف تلك الشرائع والتكاليف هو الرسول المبلغ، ولما بين اللّه تعالى أمره بالإخلاص بالقلب وبالأعمال المخصوصة، وكان الأمر يحتمل الوجوب ويحتمل الندب بين أن ذلك الأمر للوجوب فقال : قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وفيه فوائد :
الفائدة الأولى : أن اللّه أمر محمدا صلى اللّه عليه وسلّم أن يجري هذا الكلام على نفسه، والمقصود منه المبالغة في زجر الغير عن المعاصي، لأنه مع جلالة قدره وشرف نبوته إذا وجب أن يكون خائفا حذرا عن المعاصي فغيره بذلك أولى.
الفائدة الثانية : دلت الآية على أن المرتب على المعصية ليس حصول العقاب بل الخوف من العقاب، وهذا يطابق قولنا : إن اللّه تعالى قد يعفو عن المذنب والكبيرة، فيكون اللازم عند حصول المعصية هو الخوف من العقاب لا نفس حصول العقاب.
الفائدة الثالثة : دلت هذه الآية على أن ظاهر الأمر للوجوب، وذلك لأنه قال في أول الآية : إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ ثم قال بعده : قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ فيكون معنى هذا العصيان ترك الأمر الذي تقدم ذكره، وذلك، يقتضي أن يكون تارك الأمر عاصيا، والعاصي يترتب عليه الخوف من العقاب، ولا معنى للوجوب إلا ذلك.
النوع الثالث : من الأشياء التي أمر اللّه رسوله أن يذكرها قوله : قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فإن قيل ما معنى التكرير في قوله : قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وقوله : قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي؟، قلنا هذا ليس بتكرير لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة اللّه بالإتيان بالعبادة، والثاني إخبار بأنه أمر


الصفحة التالية
Icon