مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٤٤٣
والأحكام والأسماء. أما معرفة الذات فهي أن يعلم وجود اللّه وقدمه وبقاءه. وأما معرفة الصفات فهي نوعان :
أحدهما : ما يجب تنزيهه عنه، وهو كونه جوهرا ومركبا من الأعضاء والأجزاء وكونه مختصا بحيز وجهة، ويجب أن يعلم أن الألفاظ الدالة على التنزيه أربعة : ليس ولم وما ولا، وهذه الأربعة المذكورة، مذكورة في كتاب اللّه تعالى لبيان التنزيه.
أما كلمة ليس فقوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى : ١١] وأما كلمة لم، فقوله : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص : ٣، ٤] وأما كلمة ما فقوله : وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم : ٦٤]، ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ [مريم : ٣٥] وأما كلمة لا، فقوله تعالى : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة : ٢٥٥]، وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [الأنعام : ١٤]، وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ [المؤمنون : ٨٨]، وقوله في سبعة وثلاثين موضعا من القرآن لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد : ١٩].
وأما النوع الثاني : وهي الصفات التي يجب كونه موصوفا بها من القرآن فأولها العلم باللّه، والعلم بكونه محدثا خالقا، قال تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام : ١] وثانيها : العلم بكونه قادرا، قال تعالى في أول سورة القيامة بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [القيامة : ٤] وقال في آخر هذه السورة أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى [القيامة : ٤٠] وثالثها : العلم بكونه تعالى عالما، قال تعالى :
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [الحشر : ٢٢] ورابعها : العلم بكونه عالما بكل المعلومات، قال تعالى : وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ [الأنعام : ٥٩] وقوله تعالى : اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى [الرعد : ٨] وخامسها : العلم / بكونه حيا، قال تعالى : هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر : ٦٥] وسادسها : العلم بكونه مريدا، قال اللّه تعالى : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام : ١٢٥] وسابعها : كونه سميعا بصيرا، قال تعالى : وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى : ١١] وقال تعالى : إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه : ٤٦] وثامنها : كونه متكلما، قال تعالى : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لقمان : ٢٧] وتاسعها : كونه أمرا، قال تعالى : لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم : ٤] وعاشرها : كونه رحمانا رحيما مالكا، قال تعالى : الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة : ٣، ٤] فهذا ما يتعلق بمعرفة الصفات التي يجب اتصافه بها.
وأما القسم الثالث : وهو الأفعال، فاعلم أن الأفعال إما أرواح وإما أجسام. أما الأرواح فلا سبيل للوقوف عليها إلا للقليل، كما قال تعالى : وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر : ٣١] وأما الأجسام، فهي إما العالم الأعلى وإما العالم الأسفل. أما العالم الأعلى فالبحث فيه من وجوه أحدها : البحث عن أحوال السموات، وثانيها : البحث عن أحوال الشمس والقمر كما قال تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ [الأعراف : ٥٤] وثالثها : البحث عن أحوال الأضواء، قال اللّه تعالى : اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور :
٣٥] وقال تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً [يونس : ٥] ورابعها : البحث عن أحوال الظلال، قال اللّه تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً [الفرقان : ٤٥] وخامسها :
اختلاف الليل والنهار، قال اللّه تعالى : يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر : ٥]


الصفحة التالية
Icon