مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٤٨٤
على الكبيرة بعد التوبة، لأن معنى كونه قابلا للتوب ليس إلا ذلك، فلو كان المراد بكونه غافر الذنب هذا المعنى لزم التكرار وإنه باطل فثبت أن كونه غافر الذنب يفيد كونه غافرا للذنوب الكبائر قبل التوبة الثالث : أن قوله غافِرِ الذَّنْبِ مذكور في معرض المدح العظيم، فوجب حمله على ما يفيد أعظم أنواع المدح، وذلك هو كونه غافرا للكبائر قبل التوبة، وهو المطلوب.
الصفة الثانية : قوله تعالى : قابِلِ التَّوْبِ وفيه بحثان :
الأول : في لفظ التوب قولان : الأول : أنه مصدر وهو قول أبي عبيدة، والثاني : أنه جماعة التوبة وهو قول الأخفش، قال المبرد يجوز أن يكون مصدرا يقال تاب يتوب توبا وتوبة مثل قال يقول قولا وقولة، ويجوز أن يكون جمعا لتوبة فيكون توبة وتوب مثل ثمرة وثمر إلا أن المصدر أقرب لأن على هذا التقدير يكون تأويله أنه يقبل هذا الفعل.
الثاني : مذهب أصحابنا أن قبول التوبة من المذنب يقع على سبيل التفضل، وليس بواجب على اللّه، وقالت المعتزلة إنه واجب على اللّه واحتج أصحابنا بأنه تعالى ذكر كونه قابلا للتوب على سبيل المدح والثناء، ولو كان ذلك من الواجبات لم يبق فيه من معنى المدح إلا القليل، وهو القدر الذي يحصل لجميع الصالحين عند أداء الواجبات والاحتراز عن المحظورات.
الصفة الثالثة : قوله شَدِيدِ الْعِقابِ وفيه مباحث :
البحث الأول : في هذه الآية سؤال وهو أن قوله شَدِيدِ الْعِقابِ يصلح أن يكون نعتا للنكرة ولا يصلح أن يكون نعتا للمعرفة تقول مررت برجل شديد البطش، ولا تقول مررت بعبد اللّه شديد البطش، وقوله اللّه اسم علم فيكون معرفة فكيف يجوز وصفه بكونه شديد العقاب مع أنه لا يصلح إلا أن يجعل وصفا للنكرة؟ قالوا وهذا بخلاف قولنا غافر الذنب وقابل التوب لأنه ليس المراد منهما حدوث هذين الفعلين وأنه يغفر الذنب ويقبل التوبة الآن أو غدا، وإنما أريد / ثبوت ذلك ودوامه، فكان حكمهما حكم إله الخلق ورب العرش، وأما شَدِيدِ الْعِقابِ فمشكل لأنه في تقدير شديد عقابه فيكون نكرة فلا يصح جعله صفة للمعرفة، وهذا تقرير السؤال وأجيب عنه بوجوه الأول : أن هذه الصفة وإن كانت نكرة إلا أنها لما ذكرت مع سائر الصفات التي هي معارف حسن ذكرها كما في قوله وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [البروج : ١٤- ١٦] والثاني : قال الزجاج إن خفض شَدِيدِ الْعِقابِ على البدل، لأن جعل النكرة بدلا من المعرفة وبالعكس أمر جائز، واعترضوا عليه بأن جعله وحده بدلا من الصفات فيه نبوّة ظاهرة الثالث : أنه لا نزاع في أن قوله غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ يحسن جعلهما صفة، وإنما كان كذلك لأنهما مفيدان معنى الدوام والاستمرار، فكذلك قوله شَدِيدِ الْعِقابِ يفيد معنى الدوام والاستمرار، لأن صفات اللّه تعالى منزّهة عن الحدوث والتجدد، فكونه شَدِيدِ الْعِقابِ معناه كونه بحيث يشتد عقابه، وهذا المعنى حاصل أبدا، وغير موصوف بأنه حصل بعد أن لم يكن كذلك، فهذا ما قيل في هذا الباب.
البحث الثاني : هذه الآية مشعرة بترجيح جانب الرحمة والفضل، لأنه تعالى لما أراد أن يصف نفسه بأنه