مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٠٢
يجوز أن يكون مشروعا للجزاء لقوله تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة : ١٨٥] ولقوله تعالى : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج : ٧٨] ولقوله صلى اللّه عليه وسلّم :«لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»
عدلنا عن هذه العمومات فيما إذا كانت المضار أجزية، وفيما ورد نص في الإذن فيه كذبح الحيوانات، فوجب أن يبقى على أصل الحرمة فيما عداه، فثبت بما ذكرنا أن الأصل في المضار والآلام التحريم، فإن وجدنا نصا خاصا يدل على الشرعية قضينا به تقديما للخاص على العام، وإلا فهو باق على أصل التحريم، وهذا أصل كلي منتفع به في الشريعة واللّه أعلم.
الصفة السادسة : من صفات ذلك اليوم قوله لا ظُلْمَ الْيَوْمَ والمقصود أنه لما قال : الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ أردفه بما يدل على أنه لا يقع في ذلك اليوم نوع من أنواع الظلم، قال المحققون وقوع الظلم في الجزاء يقع على أربعة أقسام أحدها : أن يستحق الرجل ثوابا فيمنع منه وثانيها : أن يعطي بعض بعض حقه ولكنه لا يوصل إليه حقه بالتمام وثالثها : أن يعذب من لا يستحق العذاب ورابعها : أن يكون الرجل مستحقا للعذاب فيعذب ويزاد على قدر حقه فقوله تعالى : لا ظُلْمَ الْيَوْمَ يفيد نفي هذه الأقسام الأربعة، قال القاضي هذه الآية قوية في إبطال قول المجبرة لأن على قولهم لا ظلم غالبا وشاهدا إلا من اللّه، ولأنه تعالى إذا خلق فيه الكفر ثم عذبه عليه فهذا هو عين الظلم والجواب عنه معلوم.
ثم قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ وذكر هذا الكلام في هذا الموضع لائق جدا، لأنه تعالى لما بيّن أنه لا ظلم بين أنه سريع الحساب. وذلك يدل على أنه يصل إليهم ما يستحقونه في الحال واللّه أعلم.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١٨ إلى ٢٢]
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢)
اعلم أن المقصود من هذه الآية وصف يوم القيامة بأنواع أخرى من الصفات الهائلة المهيبة، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في تفسير يوم الآزفة وجوها الأول : أن يوم الآزفة هو يوم القيامة، والآزفة فاعلة من أزف الأمر إذا دنا وحضر لقوله في صفة يوم القيامة أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ [النجم : ٥٧، ٥٨] وقال شاعر :
أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد
والمقصود منه التنبيه على أن يوم القيامة قريب ونظيره قوله تعالى : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر : ١] قال الزجاج إنما قيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها، وما هو كائن فهو قريب.


الصفحة التالية
Icon