مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٠٨
والمخافات من شياطين الإنس إذا قال المسلم : أعوذ باللّه فاللّه يصونه عن كل الآفات والمخافات.
الفائدة الثالثة : قوله بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ والمعنى كأن العبد يقول إن اللّه سبحانه هو الذي رباني وإلى درجات الخير رقاني، ومن الآفات وقاني، وأعطاني نعما لا حد لها ولا حصر، فلما كان المولى ليس إلا اللّه وجب أن لا يرجع العاقل في دفع كل الآفات إلا إلى حفظ اللّه تعالى.
الفائدة الرابعة : أن قوله وَرَبِّكُمْ فيه بعث لقوم موسى عليه السلام على أن يقتدوا به في الاستعاذة باللّه، والمعنى فيه أن الأرواح الطاهرة القوية إذا تطابقت على همة واحدة قوي ذلك التأثير جدا، وذلك هو السبب الأصلي في أداء الصلوات في الجماعات.
الفائدة الخامسة : أنه لم يذكر فرعون في هذا الدعاء، لأنه كان قد سبق له حق تربية على موسى من بعض الوجوه، فترك التعيين رعاية لذلك الحق.
الفائدة السادسة : أن فرعون وإن كان أظهر ذلك الفعل إلا أنه لا فائدة في الدعاء على فرعون بعينه، بل الأولى الاستعاذة باللّه في دفع كل من كان موصوفا بتلك الصفة، حتى يدخل فيه كل من كان عدوا سواء كان مظهرا لتلك العداوة أو كان مخفيا لها.
الفائدة السابعة : أن الموجب للاقدام على إيذاء الناس أمران أحدهما : كون الإنسان متكبرا قاسي القلب والثاني : كونه منكرا للبعث والقيامة، وذلك لأن التكبر القاسي قد يحمله طبعه على إيذاء الناس إلا أنه إذا كان مقرا بالبعث والحساب صار خوفه من الحساب مانعا له من الجري على موجب تكبره، فإذا لم يحصل عنده الإيمان بالبعث والقيامة كانت الطبيعة داعية له إلى الإيذاء والمانع وهو الخوف من السؤال والحساب زائلا، وإذا كان الخوف من السؤال والحساب زائلا فلا جرم تحصل القسوة والإيذاء.
الفائدة الثامنة : أن فرعون لما قال : ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى قال على سبيل الاستهزاء وَلْيَدْعُ رَبَّهُ فقال موسى إن الذي ذكرته يا فرعون بطريق الاستهزاء هو الدين المبين والحق المنير، وأنا أدعو ربي وأطلب منه أن يدفع شرك عني، وسترى أن ربي كيف يقهرك، وكيف يسلطني عليك.
واعلم أن من أحاط عقله بهذه الفوائد علم أنه لا طريق أصلح ولا أصوب في دفع كيد الأعداء وإبطال مكرهم إلا الاستعاذة باللّه والرجوع إلى حفظ اللّه واللّه أعلم.
[سورة غافر (٤٠) : آية ٢٨]
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨)
اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام أنه ما زاد في دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة باللّه، بيّن أنه تعالى قيض إنسانا أجنبيا غير موسى حتى ذب عنه على أحسن الوجوه وبالغ في تسكين تلك الفتنة واجتهد في إزالة ذلك الشر.
يقول مصنف هذا الكتاب رحمه اللّه، ولقد جربت في أحوال نفسي أنه كلما قصدني شرير بشر ولم أتعرض