مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥١٠
صادقا انتفعتم بصدقه، فثبت أن هذا الطريق يوجب تصويب ضده، وما أفضى ثبوته إلى عدمه كان باطلا.
السؤال الثاني : أنه كان من الواجب أن يقال وإن يك صادقا يصبكم كل الذي يعدكم لأن الذي يصيب في بعض ما يعد دون البعض هم أصحاب الكهانة والنجوم، أما الرسول الصادق الذي لا يتكلم إلا بالوحي فإنه يجب أن يكون صادقا في كل ما يقول فكان قوله يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ غير لائق بهذا المقام والجواب :
عن الأسئلة الثلاثة بحرف واحد وهو أن تقدير الكلام أن يقال إنه لا حاجة بكم في دفع شره إلى قتله بل يكفيكم أن تمنعوه عن إظهار هذه المقالة ثم تتركوا قتله فإن كان كاذبا فحينئذ لا يعود ضرره إلا إليه، وإن يك صادقا انتفعتم به، والحاصل أن المقصود من ذكر ذلك التقسيم بيان أنه لا حاجة إلى قتله بل يكفيكم أن تعرضوا عنه وأن تمنعوه عن إظهار دينه فبهذا الطريق [تكون ] الأسئلة الثلاثة مدفوعة.
وأما السؤال الثاني : وهو قوله كان الأولى أن يقال يصبكم كل الذي يعدكم، فالجواب عنه من وجوه الأول : أن مدار هذا الاستدلال على إظهار الإنصاف وترك اللجاج لأن المقصود منه إن كان كاذبا كان ضرر كذبه مقصورا عليه، وإن كان صادقا فلا أقل من أن يصل إليكم بعض ما يعدكم، وإن كان المقصود من هذا الكلام ما ذكر صح، ونظيره قوله تعالى : وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ : ٢٤]، والوجه الثاني : أنه عليه السلام كان يتوعدهم بعذاب الدنيا وبعذاب الآخرة، فإذا وصل إليهم في الدنيا عذاب الدنيا فقد أصابهم بعض الذي يعدهم به، الوجه الثالث : حكي عن أبي عبيدة أنه قال ورود لفظ البعض بمعنى الكل جائز، واحتج بقول لبيد :
تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها
والجمهور على أن هذا القول خطأ، قالوا وأراد لبيد ببعض النفوس نفسه واللّه أعلم.
ثم حكى اللّه تعالى عن هذا المؤمن حكاية ثالثة في أنه لا يجوز إيذاء موسى عليه السلام فقال : إن اللّه لا يهدي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ وتقرير هذا الدليل أن يقال : إن اللّه تعالى هدى موسى إلى الإتيان بهذه المعجزات الباهرة، ومن هداه اللّه إلى الإتيان بالمعجزات لا يكون مسرفا كذابا فهذا يدل على أن موسى عليه السلام ليس من الكاذبين، فكان قوله إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ إشارة إلى علو شأن موسى عليه السلام على طريق الرمز والتعريض، ويحتمل أيضا أن يكون المراد أن فرعون مسرف في عزمه على قتل موسى، كذاب في إقدامه على ادعاء الإلهية، واللّه لا يهدي من هذا شأنه وصفته، بل يبطله ويهدم أمره.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٢٩ إلى ٣٣]
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣)


الصفحة التالية
Icon