مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥١٤
قوله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشعراء : ١٩٣، ١٩٤] قالوا ومن أضاف، فلا بد له من تقدير حذف، والتقدير يطبع اللّه على قلب كل متكبر.
المسألة الثانية : الكلام في الطبع والرين والقسوة والغشاوة قد سبق في هذا الكتاب بالاستقصاء، وأصحابنا يقولون قوله كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ يدل على أن الكل من اللّه والمعتزلة يقولون إن قوله كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ يدل على أن هذا الطبع إنما حصل من اللّه لأنه كان في نفسه متكبرا جبارا وعند هذا تصير الآية حجة لكل واحد من هذين الفريقين من وجه، وعليه من وجه آخر، والقول الذي يخرج عليه الوجهان ما ذهبنا إليه وهو أنه تعالى يخلق دواعي الكبر والرياسة في القلب، فتصير تلك الدواعي مانعة من حصول ما يدعون إلى الطاعة والانقياد لأمر اللّه، فيكون القول بالقضاء والقدر حيا ويكون تعليل الصد عن الدين بكونه متجبرا متكبرا باقيا، فثبت أن هذا المذهب الذي اخترناه في القضاء والقدر هو الذي ينطبق لفظ القرآن من أوله إلى آخره عليه.
المسألة الثالثة : لا بد من بيان الفرق بين المتكبر والجبار، قال مقاتل مُتَكَبِّرٍ عن قبول التوحيد جَبَّارٍ في غير حق، وأقول كمال السعادة في أمرين التعظيم لأمر اللّه والشفقة على خلق اللّه فعلى قول مقاتل التكبر كالمضاد للتعظيم لأمر اللّه والجبروت كالمضاد للشفقة على خلق اللّه واللّه أعلم.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٣٦ إلى ٣٧]
وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧)
[في قوله تعالى وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ] اعلم أنه تعالى لما وصف فرعون بكونه متكبرا جبارا بين أنه أبلغ في البلادة والحماقة إلى أن قصد الصعود إلى السموات، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : احتج الجمع الكثير من المشبهة بهذه الآية في إثبات أن اللّه في السموات وقرروا ذلك من وجوه : الأول : أن فرعون كان من المنكرين لوجود اللّه، وكل ما يذكره في صفات اللّه تعالى فذلك إنما يذكره لأجل أنه سمع أن موسى يصف اللّه بذلك، فهو أيضا يذكره كما سمعه، فلولا أنه سمع موسى يصف اللّه بأنه موجود في السماء وإلا لما طلبه في السماء الوجه الثاني : أنه قال وإني لأظنه كاذبا، ولم يبين أنه كاذب في ماذا، والمذكور السابق متعين لصرف الكلام إليه فكأن التقدير فأطلع إلى الإله الذي يزعم موسى أنه موجود في السماء، ثم قال : وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً أي وإني لأظن موسى كاذبا في ادعائه أن الإله موجود في السماء، وذلك يدل على أن دين موسى هو أن الإله موجود في السماء الوجه الثالث : العلم بأنه لو وجد إله لكان موجودا في السماء علم بديهي متقرر في كل العقول ولذلك فإن الصبيان إذا تضرعوا إلى اللّه رفعوا وجوههم وأيديهم إلى السماء، وإن فرعون مع نهاية كفره لما طلب الإله فقد طلبه في السماء، وهذا يدل على أن العلم بأن الإله موجود في السماء علم متقرر في عقل الصديق والزنديق والملحد والموحد والعالم والجاهل.
فهذا جملة استدلالات المشبهة بهذه الآية، والجواب : أن هؤلاء الجهال يكفيهم في كمال الخزي والضلال أن جعلوا قول فرعون اللعين حجة لهم على صحة دينهم، وأما موسى عليه السلام فإنه لم يزد في


الصفحة التالية
Icon