مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥١٧
واعلم أنه تعالى لما حكى عن فرعون هذه القصة قال بعدها وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ عاصم وحمزة والكسائي وَصُدَّ بضم الصاد، قال أبو عبيدة : وبه يقرأ، لأن ما قبله فعل مبني للمفعول به فجعل ما عطف عليه مثله، والباقون وصد بفتح الصاد على أنه منع الناس عن الإيمان، قالوا ومن صده قوله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [الأعراف : ١٢٤] ويؤيد هذه القراءة قوله الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النساء : ١٦٧] وقوله هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الفتح : ٢٥].
المسألة الثانية : قوله تعالى : زُيِّنَ لا بد له من المزين، فقالت المعتزلة : إنه الشيطان، فقيل لهم إن كان المزين لفرعون هو الشيطان، فالمزين للشيطان إن كان شيطانا آخر لزم إثبات التسلسل في الشياطين أو الدور وهو محال، ولما بطل ذلك وجب انتهاء الأسباب والمسببات في درجات الحاجات إلى واجب الوجود، وأيضا فقوله زُيِّنَ يدل على أن الشيء إن لم يكن في اعتقاد الفاعل موصوفا بأنه خير وزينة وحسن فإنه لا يقدم عليه، إلا أن ذلك الاعتقاد إن كان صوابا فهو العلم، وإن كان خطأ فهو الجهل، ففاعل ذلك الجهل ليس هو ذلك الإنسان، لأن العاقل لا يقصد تحصيل الجهل لنفسه، ولأنه إنما يقصد تحصيل الجهل لنفسه إذا عرف كونه جهلا، ومتى عرف كونه جهلا امتنع بقاؤه جاهلا، فثبت أن فاعل ذلك الجهل ليس هو ذلك الإنسان، ولا يجوز أن يكون فاعله هو الشيطان، لأن البحث الأول بعينه عائد فيه، فلم يبق إلا أن يكون فاعله هو اللّه تعالى واللّه أعلم. ويقوي ما قلناه أن صاحب «الكشاف» نقل أنه قرئ وزين له سوء عمله على البناء للفاعل والفعل للّه عزّ وجلّ، ويدل عليه قوله إِلى إِلهِ مُوسى.
ثم قال تعالى : وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ والتباب الهلاك والخسران، ونظيره قوله تعالى : وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود : ١٠١] وقوله تعالى : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد : ١] واللّه أعلم.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٣٨ إلى ٤٤]
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢)
لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤)


الصفحة التالية
Icon