مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٥٠
قال اللّه سبحانه للسموات أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك، وكان اللّه تعالى أودع فيهما هذه الأشياء ثم أمرهما بإبرازها وإظهارها، فنقول فعلى هذا التقدير لا يكون المراد من قوله أَتَيْنا طائِعِينَ حدوثهما في ذاتهما، بل يصير المراد من هذا الأمر أن يظهرا ما كان مودعا فيهما، إلا أن هذا الكلام باطل، لأنه تعالى قال : فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ والفاء للتعقيب، وذلك يدل على أن حدوث السموات إنما حصل بعد قوله ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً فهذا جملة ما يمكن ذكره في هذا البحث.
القول الثاني : أن قوله تعالى : فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ليس المراد منه توجيه الأمر والتكليف على السموات والأرض بل المراد منه أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الأمير المطاع، ونظيره قول القائل :/ قال الجدار للوتد لم تشقني؟
قال الوتد : اسأل من يدقني، فإن الحجر الذي ورائي ما خلاني ورائي.
واعلم أن هذا عدول عن الظاهر، وإنما جاز العدول عن الظاهر إذا قام دليل على أنه لا يمكن إجراؤه على ظاهره، وقد بينا أن قوله ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً إنما حصل قبل وجودهما، وإذا كان الأمر كذلك امتنع حمل قوله ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً على الأمر والتكليف، فوجب حمله على ما ذكرنا.
واعلم أن إثبات الأمر والتكليف فيهما مشروط بحصول المأمور فيهما، وهذا يدل على أنه تعالى أسكن هذه السموات الملائكة، أو أنه تعالى أمرهم بأشياء ونهاهم عن أشياء، وليس في الآية ما يدل على أنه إنما خلق الملائكة مع السموات، أو أنه تعالى خلقهم قبل السموات، ثم إنه تعالى أسكنهم فيها، وأيضا ليس في الآية بيان الشرائع التي أمر الملائكة بها، وهذه الأسرار لا تليق بعقول البشر، بل هي أعلى من مصاعد أفهامهم ومرامي أوهامهم، ثم قال : وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وهي النيرات التي خلقها في السموات، وخص كل واحد بضوء معين، وسر معين، وطبيعة معينة، لا يعرفها إلا اللّه، ثم قال : وَحِفْظاً يعني وحفظناها حفظا، يعني من الشياطين الذين يسترقون السمع، فأعد لكل شيطان نجما يرميه به ولا يخطئه، فمنها ما يحرق، ومنها ما يقتل ومنها ما يجعله مخبلا، وعن ابن عباس أن اليهود سألوا الرسول صلى اللّه عليه وسلّم عن خلق السموات والأرض فقال :«خلق اللّه تعالى الأرض في يوم الأحد والإثنين، وخلق الجبال والشجر في يومين وخلق في يوم الخميس السماء، وخلق في يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، ثم خلق آدم عليه السلام وأسكنه الجنة- ثم قالت اليهود ثم ماذا يا محمد؟ قال- ثم استوى على العرش- قالوا : ثم استراح- فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم» فنزل قوله تعالى : وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ق : ٣٨].
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه التفاصيل، قال : ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ والعزيز إشارة إلى كمال القدرة، والعليم إشارة إلى كمال العلم، وما أحسن هذه الخاتمة، لأن تلك الأعمال لا تمكن إلا بقدرة كاملة وعلم محيط.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١٣ إلى ١٨]
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧)
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨)


الصفحة التالية
Icon