مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٥٧
بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر على ثقفيان وقرشي فقال أحدهم : أترون اللّه يسمع ما تقولون؟ فقال الرجلان إذا سمعنا أصواتنا سمع وإلا لم يسمع. فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم فنزل وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ.
ثم قال تعالى : وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ وهذا نص صريح في أن من ظن باللّه تعالى أنه يخرج شيء من المعلومات عن علمه فإنه يكون من الهالكين الخاسرين، قال أهل التحقيق الظن قسمان ظن حسن باللّه تعالى وظن فاسد، أما الظن الحسن فهو أن يظن به الرحمة والفضل،
قال صلى اللّه عليه وسلّم حكاية عن اللّه عز وجل :«أنا عند ظن عبدي بي»
وقال صلى اللّه عليه وسلّم :«لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللّه»،
والظن القبيح فاسد وهو أن يظن باللّه تعالى أنه يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال، وقال قتادة : الظن نوعان ظن منج وظن مرد، فالمنج قوله إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة : ٢٠] وقوله الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة : ٤٦]، وأما الظن المردي فهو قوله وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ قال صاحب «الكشاف» وَذلِكُمْ رفع بالابتداء وظَنُّكُمُ وأَرْداكُمْ خبران ويجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلكم وأرداكم الخبر.
ثم قال : فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ يعني إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرج ينتظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مثوى لهم أي مقاما لهم وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أي لم يعطوا العتبى ولم يجابوا إليها، ونظيره قوله تعالى : أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ [إبراهيم : ٢١] وقرئ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين أي أن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون أي لا سبيل لهم إلى ذلك.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٢٥ إلى ٢٩]
وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)
اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على كفر أولئك الكفار أردفه بذكر السبب الذي لأجله وقعوا في ذلك الكفر فقال : وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب «الصحاح» : يقال قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع، وهما قيضان، كما يقال بيعان، وقيض اللّه فلانا لفلان أي جاءه به وأتى به له، ومنه قوله تعالى : وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ.
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى يريد الكفر من الكافر، فقالوا إنه تعالى ذكر أنه قيض لهم أولئك القرناء، وكان عالما بأنه متى قيض لهم أولئك القرناء فإن يزينوا الباطل لهم، وكل من فعل فعلا وعلم أن ذلك الفعل يفضي إلى أثر لا محالة، فإن فاعل ذلك الفعل لا بد وأن يكون مريدا لذلك الأثر فثبت


الصفحة التالية
Icon