مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٦٧
السؤال الثالث : هل تدل هذه الآية على أن الملك أفضل من البشر؟ الجواب : نعم، لأنه إنما يستدل بحال الأعلى على حال الأدون، فيقال هؤلاء الأقوام إن استكبروا عن طاعة فلان فالأكابر يخدمونه ويعترفون بتقدمه، فثبت أن هذا النوع من الاستدلال إنما يحسن بحال الأعلى على حال الأدون.
السؤال الرابع : قال هاهنا في صفة الملائكة يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ فهذا يدل على / أنهم مواظبون على التسبيح، لا ينفكون عنه لحظة واحدة، واشتغالهم بهذا العمل على سبيل الدوام يمنعهم من الاشتغال بسائر الأعمال ككونهم ينزلون إلى الأرض كما قال : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشعراء : ١٩٣، ١٩٤] وقال :
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ [الحجر : ٥١] وقوله تعالى : عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ [التحريم : ٦] الجواب :
إن الذين ذكرهم اللّه تعالى هاهنا بكونهم مواظبين على التسبيح أقوام معينون من الملائكة وهم الأشراف الأكابر منهم، لأنه تعالى وصفهم بكونهم عنده، والمراد من هذه العندية كمال الشرف والمنقبة، وهذا لا ينافي كون طائفة أخرى من الملائكة مشتغلين بسائر الأعمال، فإن قالوا هب أن الأمر كذلك إلا أنهم لا بد وأن يتنفسوا، فاشتغالهم بذلك التنفس يصدهم عن تلك الحالة من التسبيح قلنا كما أن التنفس سبب لصلاح حال الحياة بالنسبة إلى البشر فذكر اللّه تعالى سبب لصلاح حالهم في حياتهم، ولا يجب على العاقل المنصف أن يقيس أحوال الملائكة في صفاء جوهرها وإشراق ذواتها واستغراقها في معارج معارف اللّه بأحوال البشر، فإن بين الحالتين بعد المشرقين.
ثم قال تعالى : وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً.
واعلم أنه تعالى لما ذكر الآيات الأربع الفلكية وهي الليل والنهار والشمس والقمر، أتبعها بذكر آية أرضية فقال : وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً والخشوع التذلل والتصاغر، واستعير هذا اللفظ لحال الأرض حال خلوها عن المطر والنبات فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ أي تحركت بالنبات، وربت : انتفخت لأن النبت إذا قرب أن يظهر ارتفعت له الأرض وانتفخت، ثم تصدعت عن النبات، ثم قال : إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى يعني أن القادر على إحياء الأرض بعد موتها هو القادر على إحياء هذه الأجساد بعد موتها، وقد ذكرنا تقرير هذا الدليل مرارا لا حصر لها، ثم قال : إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وهذا هو الدليل الأصلي وتقريره إن عودة التأليف والتركيب إلى تلك الأجزاء المتفرقة ممكن لذاته، وعود الحياة والعقل والقدرة إلى تلك الأجزاء بعد اجتماعها أيضا أمر ممكن لذاته، واللّه تعالى قادر على الممكنات، فوجب أن يكون قادرا على إعادة التركيب والتأليف والحياة والقدرة والعقل والفهم إلى تلك الأجزاء، وهذا يدل دلالة واضحة على أن حشر الأجساد ممكن لا امتناع فيه ألبتة، واللّه أعلم.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٤٠ إلى ٤٢]
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)


الصفحة التالية
Icon