مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٨١
أنه تعالى هو الذي أدخلهم في الإيمان والطاعة، وقوله وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ يعني أنه تعالى ما أدخلهم في رحمته، وهذا يدل على أن الأولين إنما دخلوا في رحمته، لأنه كان لهم ولي ونصير أدخلهم في تلك الرحمة، وهؤلاء ما كان لهم ولي ولا نصير يدخلهم في رحمته.
ثم قال تعالى : أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ والمعنى أنه تعالى حكى عنهم أولا أنهم اتخذوا من دونه أولياء، ثم قال بعده لمحمد صلى اللّه عليه وسلّم لست عليهم رقيبا ولا حافظا، ولا يجب عليك أن تحملهم على الإيمان شاءوا أم أبوا، فإن هذا المعنى لو كان واجبا لفعله اللّه، لأنه أقدر منك، ثم إنه تعالى أعاد بعده ذلك الكلام على سبيل الاستنكار، فإن قوله أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ استفهام على سبيل الإنكار.
ثم قال تعالى : فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ والفاء في قوله فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ جواب شرط مقدر، كأنه قال : إن أرادوا أولياء بحق فاللّه هو الولي بالحق لا ولي سواه، لأنه يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، فهو الحقيق بأن يتخذ وليا دون من لا يقدر على شيء.
ثم قال : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : وجه النظم أنه تعالى كما منع الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أن يحمل الكفار على الإيمان قهرا، فكذلك منع المؤمنين أن يشرعوا معهم في الخصومات والمنازعات فقال : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ وهو إثابة المحقين فيه ومعاقبة المبطلين، وقيل وما اختلفتم فيه من شيء وتنازعتهم فتحاكموا فيه إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلّم، ولا تؤثر حكومة غيره على حكومته، وقيل وما وقع بينكم فيه خلاف من الأمور التي لا تصل بتكليفكم، ولا طريق لكم إلى علمه كحقيقة الروح، فقولوا اللّه أعلم به، قال تعالى : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء : ٨٥].
المسألة الثانية : تقدير الآية كأنه قال : قل يا محمد وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ والدليل عليه قوله تعالى : ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.
المسألة الثالثة : احتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا قوله تعالى : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ إما أن يكون المراد فحكمه مستفاد من نص اللّه عليه، أو المراد فحكمه مستفاد من القياس على ما نص اللّه عليه، والثاني باطل لأنه يقتضي كون كل الأحكام مثبتة بالقياس بأنه باطل فيعتبر الأول، فوجب كون كل الأحكام مثبتة بالنص وذلك ينفي العمل بالقياس، ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يكون المراد فحكمه يعرف من بيان اللّه تعالى، سواء كان ذلك البيان بالنص أو بالقياس؟ أجيب عنه بأن المقصود من التحاكم إلى اللّه قطع الاختلاف، والرجوع إلى القياس يقوي حكم الاختلاف ولا يوضحه، فوجب أن يكون الواجب هو الرجوع إلى نصوص اللّه تعالى.
ثم قال تعالى : ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي أي ذلكم الحاكم بينكم هو ربي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ في دفع كيد الأعداء وفي طلب كل خير وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي وإليه أرجع في كل المهمات، وقوله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يفيد الحصر، أي لا أتوكل إلا عليه، وهو إشارة إلى تزييف طريقة من اتخذ غير اللّه وليا.
ثم قال : فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قرئ بالرفع والجر، فالرفع على أنه خبر ذلكم، أو خبر مبتدأ


الصفحة التالية
Icon