مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٠٩
حكم به، ويجوز أن يكون صلة لقوله يَأْتِيَ أي من قبل أن يأتي من اللّه يوم لا يقدر أحد على رده، واختلفوا في المراد بذلك اليوم فقيل يوم ورود الموت، وقيل يوم القيامة لأنه وصف ذلك اليوم بأنه لا مرد له وهذا الوصف موجود في كلا اليومين، ويحتمل أن يكون معنى قوله لا مَرَدَّ لَهُ أنه لا يقبل التقديم والتأخير أو أن يكون معناه أن لا مرد فيه إلى حال التكليف حتى يحصل فيه التلافي.
ثم قال تعالى في وصف ذلك اليوم ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ ينفع في التخلص من العذاب وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ممن ينكر. ذلك حتى يتغير حالكم بسبب ذلك المنكر، ويجوز أن يكون المراد من النكير الإنكار أي لا تقدرون أن تنكروا شيئا مما اقترفتموه من الأعمال فَإِنْ أَعْرَضُوا أي هؤلاء الذين أمرتهم بالاستجابة أي لم يقبلوا هذا الأمر فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً بأن تحفظ أعمالهم وتحصيها إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وذلك تسلية من اللّه تعالى، ثم إنه تعالى بين السبب في / إصرارهم على مذاهبهم الباطلة، وذلك أنهم وجدوا في الدنيا سعادة وكرامة والفوز بمطالب الدنيا يفيد الغرور والفجور والتكبر وعدم الانقياد للحق فقال : وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها ونعم اللّه في الدنيا وإن كانت عظيمة إلا أنها بالنسبة إلى السعادات المعدة في الآخرة كالقطرة بالنسبة إلى البحر فلذلك سماها ذوقا فبين تعالى أن الإنسان إذا فاز بهذا القدر الحقير الذي حصل في الدنيا فإنه يفرح بها ويعظم غروره بسببها ويقع في العجب والكبر، ويظن أنه فاز بكل المنى ووصل إلى أقاصي السعادات، وهذه طريقة من يضعف اعتقاده في سعادات الآخرة، وهذه الطريقة مخالفة لطريقة المؤمن الذي لا يعد نعم الدنيا إلا كالوصلة إلى نعم الآخرة، ثم بين أنه متى أصابتهم سيئة أي شيء يسوءهم في الحال كالمرض والفقر وغيرهما فإنه يظهر منه الكفر وهو معنى قوله فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ والكفور الذي يكون مبالغا في الكفران ولم يقل فإنه كفور، ليبين أن طبيعة الإنسان تقتضي هذه الحالة إلا إذا أدبها الرجل بالآداب التي أرشد اللّه إليها، ولما ذكر اللّه إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها أتبع ذلك بقوله لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والمقصود منه أن لا يغتر الإنسان بما ملكه من المال والجاه بل إذا علم أن الكل ملك اللّه
وملكه، وأنه إنما حصل ذلك القدر تحت يده لأن اللّه أنعم عليه به فحينئذ يصير ذلك حاملا له على مزيد الطاعة والخدمة، وأما إذا اعتقد أن تلك النعم، إنما تحصل بسبب عقله وجده واجتهاده بقي مغرورا بنفسه معرضا عن طاعة اللّه تعالى، ثم ذكر من أقسام تصرف اللّه في العالم أنه يخص البعض بالأولاد الإناث والبعض بالذكور والبعض بهما والبعض بأن يجعله محروما من الكل، وهو المراد من قوله وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً.
واعلم أن أهل الطبائع يقولون السبب في حدوث الولد صلاح حال النطفة والرحم وسبب الذكورة استيلاء الحرارة، وسبب الأنوثة استيلاء البرودة، وقد ذكرنا هذا الفصل بالاستقصاء التام في سورة النحل، وأبطلناه بالدلائل اليقينية، وظهر أن ذلك من اللّه تعالى لا أنه من الطبائع والأنجم والأفلاك وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : أنه قدم الإناث في الذكر على الذكور فقال : يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ثم في الآية الثانية قدم الذكور على الإناث فقال : أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً فما السبب في هذا التقديم والتأخير؟
السؤال الثاني : أنه ذكر الإناث على سبيل التنكير فقال : يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وذكر الذكور بلفظ التعريف فقال : وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ فما السبب في هذا الفرق؟.


الصفحة التالية
Icon