مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٢٠
به قادرا على خلق جميع الممكنات، فلهذا المعنى أثبت تعالى كونه موصوفا بهاتين الصفتين ثم فرع عليه سائر التفاصيل.
الصفة الرابعة : قوله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وقد ذكرنا في هذا الكتاب أن كون الأرض مهدا إنما حصل لأجل كونها واقفة ساكنة ولأجل كونها موصوفة بصفات مخصوصة باعتبارها يمكن الانتفاع بها في الزراعة وبناء الأبنية في كونها ساترة لعيوب الأحياء والأموات، ولما كان المهد موضع الراحة للصبي جعل الأرض مهدا لكثرة ما فيها من الراحات.
الصفة الخامسة : قوله وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا والمقصود أن انتفاع الناس إنما يكمل / إذا قدر كل أحد أن يذهب من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم، ولولا أن اللّه تعالى هيأ تلك السبل ووضع عليها علامات مخصوصة وإلا لما حصل هذا الانتفاع.
ثم قال تعالى : لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ يعني المقصود من وضع السبل أن يحصل لكم المكنة من الاهتداء، والثاني المعنى لتهتدوا إلى الحق في الدين.
الصفة السادسة : قوله تعالى : وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وهاهنا مباحث أحدها : أن ظاهر هذه الآية يقتضي أن الماء ينزل من السماء، فهل الأمر كذلك أو يقال إنه ينزل من السحاب وسمي نازلا من السماء لأن كل ما سماك فهو سماء؟ وهذا البحث قد مرّ ذكره بالاستقصاء وثانيها : قوله بِقَدَرٍ أي إنما ينزل من السماء بقدر ما يحتاج إليه أهل تلك البقعة من غير زيادة ولا نقصان لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أغرقهم بل يقدر حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم وثالثها : قوله فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أي خالية من النبات فأحييناها وهو الإنشار.
ثم قال : كَذلِكَ تُخْرَجُونَ يعني أن هذا الدليل كما يدل على قدرة اللّه وحكمته فكذلك يدل على قدرته على البعث والقيامة ووجه التشبيه أنه يجعلهم أحياء بعد الإماتة كهذه الأرض التي أنشرت بعد ما كانت ميتة، وقال بعضهم بل وجه التشبيه أن يعيدهم ويخرجهم من الأرض بماء كالمني كما تنبت الأرض بماء المطر، وهذا الوجه ضعيف لأنه ليس في ظاهر اللفظ إلا إثبات الإعادة فقط دون هذه الزيادة.
الصفة السابعة : قوله تعالى : وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها قال ابن عباس الأزواج الضروب والأنواع كالحلو والحامض والأبيض والأسود والذكر والأنثى، وقال بعض المحققين كل ما سوى اللّه فهو زوج كالفوق والتحت واليمين واليسار والقدام والخلف والماضي والمستقبل والذوات والصفات والصيف والشتاء والربيع والخريف، وكونها أزواجا يدل على كونها ممكنة الوجود في ذواتها محدثة مسبوقة بعدم، فأما الحق سبحانه فهو الفرد المنزه عن الضد والند والمقابل والمعاضد فلهذا قال سبحانه : وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أي كل ما هو زوج فهو مخلوق، فدل هذا على أن خالقها فرد مطلق منزه عن الزوجية، وأقول أيضا العلماء بعلم الحساب بينوا أن الفرد أفضل من الزوج من وجوه الأول : أن أقل الأزواج هو الاثنان وهو لا يوجد إلا عند حصول وحدتين فالزوج يحتاج إلى الفرد والفرد وهو الوحدة غنية عن الزوج والغني أفضل من المحتاج الثاني : أن الزوج يقبل القسمة بقسمين متساويين والفرد هو الذي لا يقبل القسمة وقبول القسمة انفعال وتأثر وعدم قبولها قوة وشدة