مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٢٤
وبتقدير أن يثبت الولد فجعله بنتا أيضا محال، أما بيان أن إثبات الولد للّه محال، فلأن الولد لا بد وأن يكون جزءا من الوالد، وما كان له جزء كان مركبا، وكل مركب ممكن، وأيضا ما كان كذلك فإنه يقبل الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق، وما كان كذلك فهو عبد محدث، فلا يكون إلها قديما أزليا.
وأما المقام الثاني : وهو أن بتقدير ثبوت الولد فإنه يمتنع كونه بنتا، وذلك لأن الابن أفضل من البنت، فلو قلنا إنه اتخذ لنفسه البنات وأعطى البنين لعباده، لزم أن يكون حال العبد أكمل وأفضل من حال اللّه، وذلك مدفوع في بديهة العقل، يقال أصفيت فلانا بكذا، أي آثرته به إيثارا حصل له على سبيل الصفاء من غير أن يكون له فيه مشارك، وهو كقوله أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ [الإسراء : ٤٠] ثم بيّن نقصان البنات من وجوه الأول :
قوله وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ والمعنى أن الذي بلغ حاله في النقص إلى هذا الحد كيف يجوز للعاقل إثباته للّه تعالى! وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت :
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا ليس لنا من أمرنا ماشينا
وإنما نأخذ ما أعطينا «١»
وقوله ظَلَّ أي صار، كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة، قال صاحب «الكشاف» : قرئ مسود ومسواد، والتقدير وهو مسود، فتقع هذه الجملة موقع الخبر والثاني : قوله أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ينشؤ بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين على ما لم يسم فاعله، أي يربى، والباقون ينشأ، بضم الياء وسكون النون وفتح الشين، قال صاحب «الكشاف» :
وقرئ يناشأ، قال ونظير المناشأة بمعنى الإنشاء، المغالاة بمعنى الإغلاء.
المسألة الثانية : المراد من قوله أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ التنبيه على نقصانها، وهو أن الذي يربى في الحلية يكون ناقص الذات، لأنه لولا نقصان في ذاتها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحلية، ثم بين نقصان حالها بطريق آخر، وهو قوله وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ يعني أنها إذا احتاجت المخاصمة والمنازعة عجزت وكانت غير مبين، وذلك لضعف لسانها وقلة عقلها وبلادة طبعها، ويقال قلما تكلمت امرأة فأرادت أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بما كان حجة عليها، فهذه الوجوه دالة على كمال نقصها، فكيف يجوز إضافتهن بالولدية إليه! المسألة الثالثة : دلت الآية على أن التحلي مباح للنساء، وأنه حرام للرجال، لأنه تعالى جعل ذلك من المعايب وموجبات النقصان، وإقدام الرجل عليه يكون إلقاء لنفسه في الذل وذلك حرام،
لقوله عليه السلام :«ليس للمؤمن أن يذل نفسه»
وإنما زينة الرجل الصبر على طاعة اللّه، والتزين بزينة التقوى، قال الشافعي :
تدرعت يوما للقنوع حصينة أصون بها عرضي وأجعلها ذخرا
ولم أحذر الدهر الخئون وإنما قصاراه أن يرمي بي الموت والفقرا
فأعددت للموت الإله وعفوه وأعددت للفقر التجلد والصبرا

(١) لهذا الرجز تتمة أو هي رواية أخرى رواها الجاحظ في «البيان والتبيين» :
كأنما ذلك في أيدينا ونحن كالأرض لزارعينا
نخرج ما قد بذروه فينا


الصفحة التالية
Icon