مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٤٨
أن نسبته إلى السماء بالإلهية كنسبته إلى الأرض، فلما كان إلها للأرض مع أنه غير مستقر فيها فكذلك يجب أن يكون إلها للسماء مع أنه لا يكون مستقرا فيها، فإن قيل وأي تعلق لهذا الكلام بنفي الولد عن اللّه تعالى؟ قلنا تعلقه به أنه تعالى خلق عيسى بمحض كن فيكون من غير واسطة النطفة والأب، فكأنه قيل إن هذا القدر لا يوجب كون عيسى ولدا للّه سبحانه، لأن هذا المعنى حاصل في تخليق السموات والأرض وما بينهما مع انتفاء حصول الولدية هناك.
ثم قال تعالى : وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ وقد ذكرنا في سورة الأنعام أن كونه تعالى حكيما عليما ينافي حصول الولد له.
ثم قال : وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ واعلم أن قوله تبارك إما أن يكون مشتقا من الثبات والبقاء، وإما أن يكون مشتقا من كثرة الخير، وعلى التقديرين فكل واحد من هذين الوجهين ينافي كون عيسى عليه السلام ولدا للّه تعالى، لأنه إن كان المراد منه الثبات والبقاء فعيسى عليه السلام لم يكن واجب البقاء والدوام، لأنه حدث بعد أن لم يكن، ثم عند النصارى أنه قتل ومات ومن كان كذلك لم يكن بينه وبين الباقي الدائم الأزلي مجانسة ومشابهة، فامتنع كونه ولدا له، وإن كان المراد بالبركة كثرة الخيرات مثل كونه خالقا للسموات والأرض وما بينهما فعيسى لم يكن كذلك بل كان محتاجا إلى الطعام وعند النصارى أنه كان خائفا من اليهود وبالآخرة أخذوه وقتلوه، فالذي هذا صفته كيف يكون ولدا لمن كان خالقا للسموات والأرض وما بينهما!.
وأما قوله وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ فالمقصود منه أنه لما شرح كمال قدرته فكذلك شرح كمال علمه، والمقصود التنبيه على أن من كان كاملا في الذات والعلم والقدرة على الحد الذي شرحناه امتنع أن يكون ولده في العجز وعدم الوقوف على أحوال العالم بالحد الذي وصفه النصارى.
ولما أطنب اللّه تعالى في نفي الولد أردفه ببيان نفي الشركاء فقال : وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذكر المفسرون في هذه الآية قولين أحدهما : أن الذين يدعون من دونه الملائكة وعيسى وعزير، والمعنى أن الملائكة وعيسى وعزيرا لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق،
روي أن النضر بن الحرث ونفرا معه قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد، فأنزل اللّه هذه الآية
يقول لا يقدر هؤلاء أن يشفعوا لأحد ثم استثنى فقال : إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ والمعنى على هذا القول هؤلاء لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق، فأضمر اللام أو يقال التقدير إلا شفاعة من شهد بالحق فحذف المضاف، وهذا على لغة من / يعدي الشفاعة بغير لام، فيقول شفعت فلانا بمعنى شفعت له كما تقول كلمته وكلمت له ونصحته ونصحت له والقول الثاني : أن الذين يدعون من دونه كل معبود من دون اللّه، وقوله إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ الملائكة وعيسى وعزير، والمعنى أن الأشياء التي عبدها الكفار لا يملكون الشفاعة إلا من شهد بالحق، وهم الملائكة وعيسى وعزير فإن لهم شفاعة عند اللّه ومنزلة، ومعنى من شهد بالحق من شهد أنه لا إله إلا اللّه.
ثم قال تعالى : وَهُمْ يَعْلَمُونَ وهذا القيد يدل على أن الشهادة باللسان فقط لا تفيد ألبتة، واحتج القائلون بأن إيمان المقلد لا ينفع ألبتة بهذه الآية، فقالوا بيّن اللّه تعالى أن الشهادة لا تنفع إلا إذا حصل معها


الصفحة التالية
Icon