مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٥٤
المسألة السادسة :
روي أن عطية الحروري سأل ابن عباس رضي اللّه عنهما عن قوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر : ١] وقوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ كيف يصح ذلك مع أن اللّه تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور؟ فقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : يا ابن الأسود لو هلكت أنا ووقع هذا في نفسك ولم تجد جوابه هلكت، نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور، وهو في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالا فحالا.
واللّه أعلم.
المسألة السابعة : في بيان نظم هذه الآيات، اعلم أن المقصود منها تعظيم القرآن من ثلاثة أوجه أحدها :
بيان تعظيم القرآن بحسب ذاته الثاني : بيان تعظيمه بسبب شرف الوقت الذي نزل فيه الثالث : بيان تعظيمه بحسب شرف منزلته، أما بيان تعظيمه بحسب ذاته فمن ثلاثة أوجه أحدها : أنه تعالى أقسم به وذلك يدل على شرفه وثانيها : أنه تعالى أقسم به على كونه نازلا في ليلة مباركة، وقد ذكرنا أن القسم بالشيء على حالة من أحوال نفسه يدل على كونه في غاية الشرف وثالثها : أنه تعالى وصفه بكونه مبينا وذلك يدل أيضا على شرفه في ذاته.
وأما النوع الثاني : وهو بيان شرفه لأجل شرف الوقت الذي أنزل فيه فهو قوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ وهذا تنبيه على أن نزوله في ليلة مباركة يقتضي شرفه وجلالته، ثم نقول إن قوله إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ يقتضي أمرين : أحدها : أنه تعالى أنزله والثاني : كون تلك الليلة مباركة فذكر تعالى عقيب هذه الكلمة ما يجري مجرى البيان لكل واحد منهما، أما بيان أنه تعالى لم أنزله فهو قوله إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ يعني الحكمة في إنزال هذه السورة أن إنذار الخلق لا يتم / إلا به، وأما بيان أن هذه الليلة ليلة مباركة فهو أمران : أحدهما : أنه تعالى يفرق فيها كل أمر حكيم، والثاني : أن ذلك الأمر الحكيم مخصوصا بشرف أنه إنما يظهر من عنده، وإليه الإشارة بقوله أَمْراً مِنْ عِنْدِنا.
وأما النوع الثالث : فهو بيان شرف القرآن لشرف منزله وذلك هو قوله إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ فبيّن أن ذلك الإنذار والإرسال إنما حصل من اللّه تعالى، ثم بيّن أن ذلك الإرسال إنما كان لأجل تكميل الرحمة وهو قوله رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وكان الواجب أن يقال رحمة منا إلا أنه وضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين، ثم بيّن أن تلك الرحمة وقعت على وفق حاجات المحتاجين لأنه تعالى يسمع تضرعاتهم، ويعلم أنواع حاجاتهم، فلهذا قال : إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فهذا ما خطر بالبال في كيفية تعلق بعض هذه الآيات ببعض.
المسألة الثامنة : في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أما قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ فقد قيل فيه إنه تعالى أنزل كلية القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في هذه الليلة، ثم أنزل في كل وقت ما يحتاج إليه المكلف، وقيل يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ويقع الفراغ في ليلة القدر فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبرائيل وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل «١» صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت.

(١) هكذا في الأصل والمعروف المشهور المتواتر أن اسمه «إسرافيل».


الصفحة التالية
Icon