مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٦٤
المسألة الثانية : البحث عن اشتقاق لفظ الزقوم قد تقدم في سورة والصافات، فلا فائدة في الإعادة.
المسألة الثالثة : قالت المعتزلة : الآية تدل على حصول هذا الوعيد الشديد للأثيم، والأثيم هو الذي صدر عنه الإثم، فيكون هذا الوعيد حاصلا للفساق والجواب : أنا بينا في أصول الفقه أن اللفظ المفرد الذي دخل عليه حرف التعريف الأصل فيه أن ينصرف إلى المذكور السابق، ولا يفيد العموم، وهاهنا المذكور السابق هو الكافر، فينصرف إليه.
المسألة الرابعة : مذهب أبي حنيفة أن قراءة القرآن بالمعنى جائز، واحتج عليه بأنه نقل أن ابن مسعود كان يقرئ رجلا هذه الآية فكان يقول : طعام اللئيم، فقال قل طعام الفاجر، وهذا الدليل في غاية الضعف على ما بيناه في أصول الفقه.
ثم قال : كَالْمُهْلِ قرئ بضم الميم وفتحها وسبق تفسيره في سورة الكهف، وقد شبّه اللّه تعالى هذا الطعام بالمهل، وهو دردى الزيت وعكر القطران ومذاب النحاس وسائر الفلزات، وتمّ الكلام هاهنا، ثم أخبر عن غليانه في بطون الكفار فقال : يَغْلِي فِي الْبُطُونِ وقرئ بالتاء فمن قرأ بالتاء فلتأنيث الشجرة، ومن قرأ بالياء حمله على الطعام في قوله طَعامُ الْأَثِيمِ لأن الطعام هو [ثمر] الشجرة في المعنى، واختار أبو عبيد الياء لأن الاسم المذكور يعني المهل هو الذي بل الفعل فصار التذكير به أولى، واعلم أنه لا يجوز أن يحمل الغلي على المهل لأن المهل مشبه به، وإنما يغلى ما يشبه بالمهل كغلي الحميم والماء إذا اشتد غليانه فهو حميم.
ثم قال : خُذُوهُ أي خذوا الأثيم فَاعْتِلُوهُ قرئ بكسر التاء، قال الليث : العتل أن تأخذ بمنكث الرجل فتعتله أي تجره إليك وتذهب به إلى حبس أو محنة، وأخذ فلان بزمام الناقة يعتلها / وذلك إذا قبض على أصل الزمام عند الرأس وقادها قودا عنيفا، وقال ابن السكيت عتلته إلى السجن واعتلته إذا دفعته دفعا عنيفا، هذا قول جميع أهل اللغة في العتل، وذكروا في اللغتين ضم التاء وكسرها وهما صحيحان مثل يعكفون ويعكفون، ويعرشون ويعرشون.
قوله تعالى : إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ أي إلى وسط الجحيم ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ وكان الأصل أن يقال : ثم صبوا من فوق رأسه الحميم أو يصب من فوق رؤوسهم الحميم إلا أن هذه الاستعارة أكمل في المبالغة كأنه يقول : صبوا عليه عذاب ذلك الحميم، ونظيره قوله تعالى : رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً [البقرة : ٢٥] وذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان : ٤٩] وذكروا فيه وجوها الأول : أنه يخاطب بذلك على سبيل الاستهزاء، والمراد إنك أنت بالضد منه والثاني : أن أبا جهل قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم : ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني فو اللّه ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا والثالث : أنك كنت تعتز لا باللّه فانظر ما وقعت فيه، وقرئ أنك بمعنى لأنك.
ثم قال : إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ أي أن هذا العذاب ما كنتم به تمترون أي تشكون، والمراد منه ما ذكره في أول السورة حيث قال : بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ [الدخان : ٩].
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٥١ إلى ٥٩]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥)
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)


الصفحة التالية
Icon