مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٧٠
البحث الأول : قال صاحب «الكشاف» : قوله وَما يَبُثُّ عطف على الخلق المضاف لا على الضمير المضاف إليه، لأن المضاف ضمير متصل مجرور والعطف عليه مستقبح، فلا يقال مررت بك وزيد، ولهذا طعنوا في قراءة حمزة تساءلون به والأرحام [النساء : ١] بالجر في قوله والأرحام وكذلك إن الذين استقبحوا هذا العطف، فلا يقولون مررت بك أنت وزيد.
البحث الثاني : قرأ حمزة والكسائي آيات بكسر التاء وكذلك الذي بعده وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ والباقون بالرفع فيهما، أما الرفع فمن وجهين ذكرهما المبرد والزجاج وأبو علي : أحدهما : العطف على موضع إن وما عملت فيه، لأن موضعهما رفع بالابتداء فيحمل الرفع فيه على الموضع، كما تقول إن زيدا منطلق وعمر، وأَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة : ٣] لأن معنى قوله أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ أن يقول اللّه برىء من المشركين ورسوله، والوجه الثاني : أن يكون قوله وَفِي خَلْقِكُمْ مستأنفا، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة أخرى كما تقول إن زيدا منطلق وعمرو كاتب، جعلت قولك وعمرو كاتب كلاما آخر، كما تقول زيد في الدار وأخرج غدا إلى بلد كذا، فإنما حدثت بحديثين ووصلت أحدهما بالآخر بالواو، وهذا الوجه هو اختيار أبي الحسن والفراء، وأما وجه القراءة بالنصب فهو بالعطف على قوله إِنَّ فِي السَّماواتِ على معنى وإن في خلقكم لآيات ويقولون هذه القراءة إنها في قراءة أبي وعبد اللّه لآيات ودخول اللام يدل على أن الكلام محمول على إن.
البحث الثالث : قوله وَفِي خَلْقِكُمْ معناه خلق الإنسان، وقوله وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ إشارة إلى خلق سائر الحيوانات، ووجه دلالتها على وجود الإله القادر المختار أن الأجسام متساوية فاختصاص كل واحد من الأعضاء بكونه المعين وصفته المعينة وشكله السعين، لا بد وأن يكون / بتخصيص القادر المختار، ويدخل في هذا الباب انتقاله من سن إلى سن آخر ومن حال إلى حال آخر، والاستقصاء في هذا الباب قد تقدم.
ثم قال تعالى : وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وهذا الاختلاف يقع على وجوه : أحدها : تبدل النهار بالليل وبالضد منه وثانيها : أنه تارة يزداد طول النهار على طول الليل وتارة بالعكس وبمقدار ما يزداد في النهار الصيفي يزداد في الليل الشتوي وثالثها : اختلاف مطالع الشمس في أيام السنة.
ثم قال تعالى : وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وهو يدل على القول بالفاعل المختار من وجوه أحدها : إنشاء السحاب وإنزال المطر منه وثانيها : تولد النبات من تلك الحبة الواقعة في الأرض وثالثها : تولد الأنواع المختلفة وهي ساق الشجرة وأغصانها وأوراقها وثمارها ثم تلك الثمرة منها ما يكون القشر محيطا باللب كالجوز واللوز، ومنها ما يكون اللب محيطا بالقشر كالمشمش والخوخ، ومنها ما يكون خاليا عن القشر كالتين، فتولد أقسام النبات على كثرة أصنافها وتباين أقسامها يدل على صحة القول بالفاعل المختار الحكيم الرحيم.
ثم قال : وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وهي تنقسم إلى أقسام كثيرة بحسب تقسيمات مختلفة فمنها المشرقية والمغربية والشمالية والجنوبية، ومنها الحارة والباردة ومنها الرياح النافعة والرياح الضارة، ولما ذكر اللّه تعالى هذه الأنواع الكثيرة من الدلائل قال إنها آيات لقوم يعقلون.


الصفحة التالية
Icon