مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٨٢
[في قوله تعالى وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها إلى قوله وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ] فيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ والساعة رفعا ونصبا قال الزجاج من نصب عطف على الوعد ومن رفع فعلى معنى وقيل : الساعة لا ريب فيها قال الأخفش الرفع أجود في المعنى وأكثر في كلام العرب، إذا جاء بعد خبر إن لأنه كلام مستقل بنفسه بعد مجيء الكلام الأول بتمامه.
المسألة الثانية : حكى اللّه تعالى عن الكفار أنهم إذا قيل إن وعد اللّه بالثواب والعقاب حق وإن الساعة آتية لا ريب فيها قالوا ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين.
أقول الأغلب على الظن أن القوم كانوا في هذه المسألة على قولين منهم من كان قاطعا بنفي البعث والقيامة، وهم الذين ذكرهم اللّه في الآية المتقدمة بقوله وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا [الجاثية : ٢٤] ومنهم من كان شاكا متحيرا فيه، لأنهم لكثرة ما سمعوه من الرسول صلى اللّه عليه وسلّم، ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته صاروا شاكين فيه وهم الذين أرادهم اللّه بهذه الآية، والذي يدل عليه أنه تعالى حكى مذهب أولئك القاطعين، ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول.
ثم قال تعالى : وَبَدا لَهُمْ أي في الآخرة سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وقد كانوا من قبل يعدونها حسنات فصار ذلك أول خسرانهم وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وهذا كالدليل على أن هذه الفرقة لما قالوا إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا إنما ذكروه على سبيل الاستهزاء والسخرية، وعلى هذا الوجه فهذا الفريق شر من الفريق الأول، لأن الأولين كانوا منكرين وما كانوا مستهزئين، وهذا الفريق ضموا إلى الإصرار على الإنكار الاستهزاء.
ثم قال تعالى : وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وفي تفسير هذا النسيان وجهان الأول :
نترككم في العذاب كما تركتم الطاعة التي هي الزاد ليوم المعاد الثاني : نجعلكم بمنزلة الشيء المنسي غير المبالى به، كما لم تبالوا أنتم بلقاء يومكم ولم تلتفتوا إليه بل جعلتموه كالشيء الذي يطرح نسيا منسيا، فجمع اللّه تعالى عليهم من وجوه العذاب الشديد ثلاثة أشياء فأولها : قطع رحمة اللّه تعالى عنهم بالكلية وثانيها : أنه يصير مأواهم النار وثالثها : أن لا يحصل لهم أجر من الأعوان / والأنصار، ثم بيّن تعالى أنه يقال لهم إنكم إنما صرتم مستحقين لهذه الوجوه الثلاثة من العذاب الشديد، لأجل أنكم أتيتم بثلاثة أنواع من الأعمال القبيحة فأولها : الإصرار على إنكار الدين الحق وثانيها : الاستهزاء به والسخرية منه، وهذان الوجهان داخلان تحت قوله تعالى : ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وثالثها : الاستغراق في حب الدنيا والإعراض بالكلية عن الآخرة، وهو المراد من قوله تعالى : وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا.
ثم قال تعالى : فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها قرأ حمزة والكسائي يخرجون بفتح الياء، والباقون بضمها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي يرضوه، ولما تم الكلام في هذه المباحث الشريفة الروحانية ختم السورة بتحميد اللّه تعالى، فقال : فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي فاحمدوا اللّه الذي هو خالق السموات والأرض، بل خالق كل العالمين من الأجسام والأرواح


الصفحة التالية
Icon