مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٠٤
الحاجة، وهذا مما يؤكد قولنا فضلا منصوب بفعل مضمر، وهو الابتغاء والطلب.
المسألة الثالثة : ختم الآية بقوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فيه مناسبات عدة منها أنه تعالى لما ذكر نبأ الفاسق، قال إن يشتبه على المؤمن كذب الفاسق فلا تعتمدوا على ترويجه عليكم الزور، فإن اللّه عليم، ولا تقولوا كما كان عادة المنافق لولا يعذبنا اللّه بما نقول، فإن اللّه حكيم لا يفعل إلا على وفق حكمته وثانيها : لما قال اللّه تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ [الحجرات : ٧] بمعنى لا يطيعكم، بل يتبع الوحي، قال فإن اللّه من كونه عليما يعلمه، ومن كونه حكيما يأمره بما تقتضيه الحكمة فاتبعوه ثالثها : المناسبة التي بين قوله تعالى : عَلِيمٌ حَكِيمٌ وبين قوله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ أي حبب بعلمه الإيمان لأهل الإيمان، واختار له من يشاء بحكمته رابعها : وهو الأقرب، وهو أنه سبحانه وتعالى قال : فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ولما كان الفضل هو ما عند اللّه من الخير المستغني عنه، قال تعالى هو عليم بما في خزائن رحمته من الخير، وكانت النعمة هو ما يدفع به حاجة العبد، قال هو حكيم ينزل الخير بقدر ما يشاء على وفق الحكمة.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ٩]
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)
[قوله تعالى وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما] لما حذر اللّه المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق، أشار إلى ما يلزم منه استدراكا لما يفوت، فقال فإن اتفق أنكم تبنون على قول من يوقع بينكم، وآل الأمر إلى اقتتال طائفتين من المؤمنين، فأزيلوا ما أثبته ذلك الفاسق وأصلحوا بينهما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي أي الظالم يجب عليكم دفعه عنه، ثم إن الظالم إن كان هو الرعية، فالواجب على الأمير دفعهم، وإن كان هو الأمير، فالواجب على المسلمين منعه بالنصيحة فما فوقها، وشرطه أن لا يثير فتنة مثل التي / في اقتتال الطائفتين أو أشد منهما، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى : وَإِنْ إشارة إلى ندرة وقوع القتال بين طوائف المسلمين، فإن قيل فنحن نرى أكثر الاقتتال بين طوائفهم؟ نقول قوله تعالى : وَإِنْ إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يقع إلا نادرا، غاية ما في الباب أن الأمر على خلاف ما ينبغي، وكذلك إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ [الحجرات : ٦] إشارة إلى أن مجيء الفاسق بالنبإ ينبغي أن يقع قليلا، مع أن مجيء الفاسق بالنبإ كثير، وقول الفاسق صار عند أولي الأمر أشد قبولا من قول الصادق الصالح.
المسألة الثانية : قال تعالى : وَإِنْ طائِفَتانِ ولم يقل وإن فرقتان تحقيقا للمعنى الذي ذكرناه وهو التقليل، لأن الطائفة دون الفرقة، ولهذا قال تعالى : فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [التوبة : ١٢٢].
المسألة الثالثة : قال تعالى : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ولم يقل منكم، مع أن الخطاب مع المؤمنين لسبق قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ [الحجرات : ٦] تنبيها على قبح ذلك وتبعيدا لهم عنهم، كما يقول السيد لعبده : إن رأيت أحدا من غلماني يفعل كذا فامنعه، فيصير بذلك مانعا للمخاطب عن ذلك الفعل بالطريق الحسن، كأنه يقول : أنت حاشاك أن تفعل ذلك، فإن فعل غيرك فامنعه، كذلك هاهنا قال : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ولم يقل منكم لما ذكرنا من التنبيه مع أن المعنى واحد.
المسألة الرابعة : قال تعالى : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ولم يقل : وإن اقتتل طائفتان من المؤمنين،


الصفحة التالية
Icon