مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٢١
البحث الرابع : أقسم بالحروف في أول ثمانية وعشرين سورة، وبالأشياء التي عددها عدد الحروف، وهي غير وَالشَّمْسِ في أربع عشرة سورة، لأن القسم بالأمور غير الحروف وقع في أوائل السور وفي أثنائها، كقوله تعالى : كَلَّا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [المدثر : ٣٢، ٣٣] وقوله تعالى : وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ [الانشقاق : ١٧] وقوله وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ [التكوير : ١٧] والقسم بالحروف لم يوجد ولم يحسن إلا في أوائل السور، لأن ذكر ما لا يفهم معناه في أثناء الكلام المنظوم المفهوم يخل بالفهم، ولما كان القسم بالأشياء له موضعان والقسم بالحروف له موضع واحد جعل القسم بالأشياء في أوائل السور على نصف القسم بالحروف في أوائلها.
البحث الخامس : القسم بالحروف وقع في النصفين جميعا بل في كل سبع وبالأشياء المعدودة لم يوجد إلا في النصف الأخير بل لم يوجد إلا في السبع الأخير غير والصافات، وذلك لأنا بينا أن القسم بالحروف لم ينفك عن ذكر القرآن أو الكتاب أو التنزيل بعده إلا نادرا فقال تعالى : يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس : ١، ٢] حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ [غافر : ١، ٢]، الم ذلِكَ الْكِتابُ [البقرة : ١، ٢] ولما كان جميع القرآن معجزة مؤداة بالحروف وجد ذلك عاما في جميع المواضع ولا كذلك القسم بالأشياء المعدودة، وقد ذكرنا شيئا من ذلك في سورة العنكبوت، ولنذكر ما يختص بقاف قيل إنه اسم جبل محيط بالأرض عليه أطراف السماء وهو ضعيف لوجوه : أحدها : أن القراءة الكثيرة الوقف، ولو كان اسم جبل لما جاز الوقف في الإدراج، لأن من قال ذلك قال بأن اللّه تعالى أقسم به وثانيها : أنه لو كان كذلك لذكر بحرف القسم كما في قوله تعالى : وَالطُّورِ وذلك لأن حرف القسم يحذف حيث يكون المقسم به مستحقا لأن يقسم به، كقولنا اللّه لأفعلن كذا، واستحقاقه لهذا غني عن الدلالة عليه باللفظ ولا يحسن أن يقال زيد لأفعلن ثالثها : هو أنه لو كان كما ذكر لكان يكتب قاف مع الألف والفاء كما يكتب عَيْنٌ جارِيَةٌ [الغاشية : ١٢] ويكتب أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر : ٣٦] وفي جميع المصاحف يكتب حرف ق، رابعها : هو أن الظاهر أن الأمر فيه كالأمر في ص، ن، حم وهي حروف لا كلمات وكذلك في ق فإن قيل هو منقول عن ابن عباس، نقول المنقول عنه أن قاف اسم جبل، وأما أن المراد في هذا الموضع به ذلك فلا، وقيل إن معناه قضى الأمر، وفي ص صدق اللّه، وقيل هو اسم الفاعل من قفا يقفو وص من صاد من المصاداة، وهي المعارضة، معناه هذا قاف جميع الأشياء بالكشف، ومعناه حينئذ هو قوله تعالى : وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [الأنعام : ٥٩] إذا قلنا إن الكتاب هناك
القرآن. هذا ما قيل في ق وأما القراءة فيه فكثيرة وحصرها بيان معناها، فنقول إن قلنا هي مبنية على ما بينا فحقها الوقف إذ لا عامل فيها فيشبه / بناء الأصوات ويجوز الكسر حذرا من التقاء الساكنين، ويجوز الفتح اختيارا للأخف، فإن قيل كيف جاز اختيار الفتح هاهنا، ولم يجز عند التقاء الساكنين إذا كان أحدهما آخر كلمة والآخر أول أخرى كما في قوله تعالى : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة : ١] وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ [الأنعام : ٥٢]؟ نقول لأن هناك إنما وجب التحريك وعين الكسر في الفعل لشبهة تحرك الإعراب، لأن الفعل محل يرد عليه الرفع والنصب ولا يوجد فيه الجر فاختيرت الكسرة التي لا يخفى على أحد أنها ليست بجر، لأن الفعل لا يجوز فيه الجر ولو فتح لاشتبه بالنصب، وأما في أواخر الأسماء فلا اشتباه، لأن الأسماء محل ترد عليه الحركات الثلاث فلم يكن يمكن الاحتراز فاختاروا الأخف، وأما إن قلنا إنها حرف مقسم به فحقها الجر ويجوز النصب بجعله مفعولا باقسم على وجه الاتصال،


الصفحة التالية
Icon