مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٢٩
والأغشية المنسوجة نسجا ضعيفا كالصفاق، وأشياء لها فروج وشقوق كالمناخر والصماخ والفم وغيرها، فالقادر على الأضداد في هذا المهاد، في السبع الشداد، غير عاجز عن خلق نظيرها في هذه الأجساد. [و] تفسير الرواسي قد ذكرناه في سورة لقمان، والبهيج الحسن.
[سورة ق (٥٠) : آية ٨]
تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)
يحتمل أن يكون الأمران عائدين إلى الأمرين المذكورين وهما السماء والأرض، على أن خلق السماء تبصرة وخلق الأرض ذكرى، ويدل عليه أن السماء زينتها مستمرة غير مستجدة في كل عام فهي كالشيء المرئي على مرور الزمان، وأما الأرض فهي كل سنة تأخذ زخرفها فذكر السماء تبصرة والأرض تذكرة، ويحتمل أن يكون كل واحد من الأمرين موجودا في كل واحد من الأمرين، فالسماء تبصرة والأرض كذلك، والفرق بين التبصرة والتذكرة هو أن فيها آيات / مستمرة منصوبة في مقابلة البصائر وآيات متجددة مذكرة عند التناسي، وقوله لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي راجع إلى التفكر والتذكر والنظر في الدلائل. ثم قال تعالى :
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٩ إلى ١٠]
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠)
إشارة إلى دليل آخر وهو ما بين السماء والأرض، فيكون الاستدلال بالسماء والأرض وما بينهما، وذلك إنزال [الماء من ] السماء من فوق، وإخراج النبات من تحت وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الاستدلال قد تقدم بقوله تعالى : وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق : ٧] فما الفائدة في إعادته بقوله فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ؟ نقول قوله فَأَنْبَتْنا استدلال بنفس النبات أي الأشجار تنمو وتزيد، فكذلك بدن الإنسان بعد الموت ينمو ويزيد بأن يرجع اللّه تعالى إليه قوة النشوء والنماء كما يعيدها إلى الأشجار بواسطة ماء السماء وَحَبَّ الْحَصِيدِ فيه حذف تقديره وحب الزرع الحصيد وهو المحصود أي أنشأنا جنات يقطف ثمارها وأصولها باقية وزرعا يحصد كل سنة ويزرع في كل عام أو عامين، ويحتمل أن يقال التقدير وننبت الحب الحصيد والأول هو المختار، وقوله تعالى : وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ إشارة إلى المختلط من جنسين، لأن الجنات تقطف ثمارها وتثمر من غير زراعة في كل سنة، لكن النخل يؤبر ولولا التأبير لم يثمر، فهو جنس مختلط من الزرع والشجر، فكأنه تعالى خلق ما يقطف كل سنة ويزرع وخلق ما لا يزرع كل سنة ويقطف مع بقاء أصلها وخلق المركب من جنسين في الأثمار، لأن بعض الثمار فاكهة ولا قوت فيه، وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت، والباسقات الطوال من النخيل.
وقوله تعالى : باسِقاتٍ يؤكد كمال القدرة والاختيار، وذلك من حيث إن الزرع إن قيل فيه إنه يمكن أن يقطف من ثمرته لضعفه وضعف حجمه، فكذلك يحتاج إلى إعادته كل سنة والجنات لكبرها وقوتها تبقى وتثمر سنة بعد سنة فيقال : أليس النخل الباسقات أكثر وأقوى من الكرم الضعيف والنخل محتاجة كل سنة إلى عمل عامل والكرم غير محتاج، فاللّه تعالى هو الذي قدر ذلك لذلك لا للكبر والصغر والطول والقصر.
قوله تعالى : لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ أي منضود بعضها فوق بعض في أكمامها كما في سنبله الزرع وهو


الصفحة التالية
Icon