مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٣٦
وقوله تعالى : فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ أي أزلنا عنك غفلتك فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وكان من قبل كليلا، وقرينك حديدا، وكان في الدنيا خليلا، وإليه الإشارة بقوله تعالى :
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٢٣ إلى ٢٤]
وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)
وفي القرين وجهان أحدهما الشيطان الذي زين الكفر له والعصيان وهو الذي قال تعالى فيه وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ [فصلت : ٢٥] وقال تعالى : نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف : ٣٦] وقال تعالى : فَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف : ٣٨] فالإشارة بهذا المسوق إلى المرتكب الفجور والفسوق، والعتيد معناه المعد للنار وجملة الآية معناها أن الشيطان يقول هذا العاصي شيء هو عندي معد لجهنم أعددته بالإغواء والإضلال، والوجه الثاني وَقالَ قَرِينُهُ أي القعيد الشهيد الذي سبق ذكره وهو الملك وهذا إشارة إلى كتاب أعماله، وذلك لأن الشيطان في ذلك الوقت لا يكون له من المكانة أن يقول ذلك القول، ولأن قوله هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ فيكون عتيد صفته، وثانيهما أن تكون موصولة، فيكون عتيد محتملا الثلاثة أوجه «١» أحدها : أن يكون خبرا بعد خبر والخبر الأول ما لَدَيَّ معناه هذا الذي هو لدي وهو عتيد وثانيها : أن يكون عتيد هو الخبر لا غير، وما لَدَيَّ يقع كالوصف المميز للعتيد عن غيره كما تقول هذا الذي عند زيد وهذا الذي يجيئني عمرو فيكون الذي عندي والذي يجيئني لتمييز المشار إليه عن غيره ثم يخبر عنه بما بعده ثم يقال للسائق أو الشهيد أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ فيكون هو أمرا لواحد، وفيه وجهان أحدهما أنه ثنى تكرار الأمر كما ألق ألق، وثانيهما عادة العرب ذلك.
وقوله كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ الكفار يحتمل أن يكون من الكفران فيكون بمعنى كثير / الكفران، ويحتمل أن يكون من الكفر، فيكون بمعنى شديد الكفر، والتشديد في لفظة فعال يدل على شدة في المعنى، والعنيد فعيل بمعنى فاعل من عند عنودا ومنه العناد، فإن كان الكفار من الكفران، فهو أنكر نعم اللّه مع كثرتها.
[سورة ق (٥٠) : آية ٢٥]
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥)
وقوله تعالى : مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ.
فيه وجهان أحدهما : كثير المنع للمال الواجب، وإن كان من الكفر، فهو أنكر دلائل وحدانية اللّه مع قوتها وظهورها، فكان شديد الكفر عنيدا حيث أنكر الأمر اللائح والحق الواضح، وكان كثير الكفران لوجود الكفران منه عند كل نعمة عنيد ينكرها مع كثرتها عن المستحق الطالب، والخير هو المال، فيكون كقوله تعالى :
وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [فصلت : ٦، ٧] حيث بدأ ببيان الشرك، وثنى بالامتناع من إيتاء الزكاة، وعلى هذا ففيه مناسبة شديدة إذا جعلنا الكفار من الكفران، كأنه يقول : كفر أنعم اللّه تعالى، ولم يؤد منها شيئا لشكر أنعمه ثانيهما : شديد المنع من الإيمان فهو مناع للخير وهو الإيمان الذي هو خير محض من أن

(١) يلاحظ أن المفسر لم يذكر إلا وجهين، ولعل الوجه الثالث أن يكون بدلا من اسم الإشارة وما لَدَيَّ هو الخبر.


الصفحة التالية
Icon