مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٤٢
لزيد، وهذا في الإضافات الحقيقية بإثبات التنوين فيه، وأما في الإضافات اللفظية كقولنا ضارب زيد وقاتل عمرو، فإن الإضافة فيه غير معنوية فإذا خرج الضارب عن كونه مضافا بإثبات التنوين فقد كان يجب أن يعاد الأصل وينصب ما كان مضافا إليه الفاعل بالمفعول به ولا يؤتى باللام لأنه حينئذ لم تبق الإضافة في اللفظ، ولم تكن الإضافة في المعنى، غير أن اسم الفاعل منحط الدرجة عن الفعل فصار تعلقه بالمفعول أضعف من تعلق الفعل بالمفعول، وصار من باب الأفعال الضعيفة التعلق حيث بينا جواز تعديتها إلى المفعول بحرف وغير حرف، فلذلك جاز أن يقال ضارب زيد أو ضارب لزيد، كما جاز : مسحته ومسحت به وشكرته وشكرت له، وذلك إذا تقدم المفعول كما في قوله تعالى : إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يوسف : ٤٣] للضعف، وأما المعنوية فمباحث :
الأول : الظلام مبالغة في الظالم ويلزم من إثباته إثبات أصل الظلم إذا قال القائل هو كذاب يلزم أن يكون كاذبا كثر كذبه، ولا يلزم من نفيه نفي أصل الكذب لجواز أن يقال فلان ليس بكذاب كثير الكذب لكنه يكذب أحيانا ففي قوله تعالى : وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لا يفهم منه نفي أصل الظلم واللّه ليس بظالم فما الوجه فيه؟ نقول الجواب عنه من ثلاثة أوجه أحدها : أن الظلام بمعنى الظالم كالتمار بمعنى التامر وحينئذ يكون اللام في قوله لِلْعَبِيدِ لتحقيق النسبة لأن الفعال حينئذ بمعنى ذي ظلم، وهذا وجه جيد مستفاد من الإمام زين الدين أدام اللّه فوائده والثاني : ما ذكره الزمخشري وهو أن ذلك أمر تقديري كأنه تعالى يقول لو ظلمت عبدي الضعيف الذي هو محل الرحمة لكان ذلك غاية الظلم، وما أنا بذلك فيلزم من نفي كونه ظلاما نفي كونه ظالما، ويحقق هذا الوجه / إظهار لفظ العبيد حيث يقول ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أي في ذلك اليوم الذي امتلأت جهنم مع سعتها حتى تصيح وتقول لم يبق لي طاقة بهم، ولم يبق في موضع لهم فهل من مزيد استفهام استكثار، فذلك اليوم مع أني ألقي فيها عددا لا حصر له لا أكون بسبب كثرة التعذيب كثير الظلم وهذا مناسب، وذلك لأنه تعالى خصص النفي بالزمان حيث قال : ما أنا بظلام يوم نقول : أي وما أنا بظلام في جميع الأزمان أيضا، وخصص بالعبيد حيث قال : وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ولم يطلق، فكذلك خصص النفي بنوع من أنواع الظلم ولم يطلق، فلم يلزم منه أن يكون ظالما في غير ذلك الوقت، وفي حق غير العبيد وإن خصص والفائدة في التخصيص أنه أقرب إلى التصديق من التعميم والثالث : هذا يدل على أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه، لأنه نفى كونه ظلاما ولم يلزم منه نفي كونه ظالما، ونفي كونه ظلاما للعبيد، ولم يلزم منه نفي كونه ظلاما لغيرهم، كما قال في حق الآدمي فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ [فاطر : ٣٢].
البحث الثاني : قال هاهنا وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ من غير إضافة، وقال : ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ [النمل : ٨١] وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر : ٢٢] على وجه الإضافة، فما الفرق بينهما؟ نقول الكلام قد يخرج أولا مخرج العموم، ثم يخصص لأمر ما لا لغرض التخصيص، يقول القائل : فلان يعطي ويمنع ويكون غرضه التعميم، فإن سأل سائل : يعطي من، ويمنع من؟ يقول زيدا وعمرا، ويأتي بالمخصص لا لغرض التخصيص، وقد يخرج أولا مخرج الخصوص، فيقول فلان يعطي زيدا ماله إذا علمت هذا فقوله وَما أَنَا بِظَلَّامٍ كلام لو اقتصر عليه لكان للعموم، فأتى بلفظ العبيد لا لكون عدم الظلم مختصا بهم، بل لكونهم أقرب إلى كونهم محل الظلم من نفسه تعالى، وأما النبي صلى اللّه عليه وسلم فكان في نفسه هاديا، وإنما أراد نفي ذلك الخاص


الصفحة التالية
Icon