مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٥٢
بخلق السموات والأرض وما بينهما وقوله تعالى : وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ أي ما تعبنا بالخلق الأول حتى لا نقدر على الإعادة ثانيا : والخلق الجديد كما قال تعالى : أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ [ق : ١٥] وأما ما قاله اليهود ونقلوه من التوراة فهو إما تحريف منهم أو لم يعلموا تأويله، وذلك لأن الأحد والإثنين أزمنة متميز بعضها عن بعض، فلو كان خلق السموات ابتدئ يوم الأحد لكان الزمان متحققا قبل الأجسام والزمان لا ينفك عن الأجسام فيكون قبل خلق الأجسام أجسام أخر فيلزم القول بقدم العالم وهو مذهب الفلاسفة، ومن العجيب أن بين الفلاسفة والمشبهة غاية الخلاف، فإن الفلسفي لا يثبت للَّه تعالى صفة أصلا ويقول بأن اللَّه تعالى لا يقبل صفة بل هو واحد من جميع الوجوه، فعلمه وقدرته وحياته هو حقيقته وعينه وذاته، والمشبهي يثبت للَّه صفة الأجسام من الحركة والسكون والاستواء والجلوس والصعود والنزول فبينهما منافاة، ثم إن اليهود في هذا الكلام جمعوا بين المسألتين فأخذوا بمذهب الفلاسفة في المسألة التي هي أخص المسائل بهم وهي القدم حيث أثبتوا قبل خلق الأجسام أياما معدودة وأزمنة محدودة، وأخذوا بمذهب المشبهة في المسألة التي هي أخص المسائل بهم وهي الاستواء على العرش فأخطأوا [و ضلوا] وأضلوا في الزمان والمكان جميعا.
[سورة ق (٥٠) : آية ٣٩]
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩)
ثم قال تعالى : فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ قال من تقدم ذكرهم من المفسرين إن معناه اصبر على ما يقولون من حديث التعب بالاستلقاء، وعلى ما قلنا معناه اصبر على ما يقولون إن هذا لشيء عجيب، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وما ذكرناه أقرب لأنه مذكور، وذكر اليهود وكلامهم لم يجر.
وقوله وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يحتمل وجوها أحدها : أن يكون اللَّه أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالصلاة، فيكون كقوله تعالى : وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ [هود : ١١٤].
وقوله تعالى : قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ إشارة إلى طرفي النهار.
[سورة ق (٥٠) : آية ٤٠]
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠)
وقوله وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ إشارة إلى زلفا من الليل، ووجه هذا هو أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم له شغلان أحدهما :
عبادة اللَّه. وثانيهما : هداية الخلق فإذا هداهم ولم يهتدوا، قيل له أقبل على شغلك الآخر وهو عبادة الحق ثانيها : سبح بحمد ربك، أي نزهه عما يقولون ولا تسأم من امتناعهم بل ذكرهم بعظمة اللَّه تعالى ونزهه عن الشرك والعجز عن الممكن الذي هو الحشر قبل الطلوع وقبل الغروب، فإنهما وقت اجتماعهم وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ أي أوائل الليل، فإنه أيضا وقت اجتماع العرب، ووجه هذا أنه لا ينبغي أن تسأم من تكذيبهم فإن الرسل من قبلك أوذوا وكذبوا وصبروا على ما كذبوا وأوذوا، وعلى هذا فلقوله تعالى : وَأَدْبارَ السُّجُودِ فائدة جليلة وهي الإشارة إلى ما ذكرنا أن شغل الرسول أمران العبادة والهداية فقوله وَأَدْبارَ السُّجُودِ أي عقب ما سجدت وعبدت نزه ربك بالبرهان عند اجتماع القوم ليحصل لك العبادة بالسجود والهداية أدبار السجود ثالثها :
أن يكون المراد قل سبحان اللَّه، وذلك لأن ألفاظا معدودة جاءت بمعنى التلفظ بكلامهم، فقولنا كبر يطلق ويراد به قول القائل اللَّه أكبر، وسلم يراد به قوله السلام عليكم، وحمد يقال لمن قال الحمد للَّه، ويقال هل لمن قال لا إله إلا اللَّه، وسبح لمن قال سبحان اللَّه، ووجه هذا أن هذه أمور تتكرر من الإنسان في الكلام والحاجة تدعو


الصفحة التالية
Icon