مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٦٩
الجمعة ويقال بفي، نقول : إن كل فعل جار في زمان فهو متصل به، فالخروج يوم الجمعة متصل مقترن بذلك الزمان، ولم يستعمل خرجت بيوم الجمعة، نقول الفارق بينهما الإطلاق والتقييد، بدليل أنك إن قلت : خرجت بنهارنا وبليلة الجمعة لم يحسن، ولو قلت : خرجت بيوم سعد، وخرج هو بيوم نحس حسن، فالنهار والليل لما لم يكن فيهما خصوص وتقييد جاز استعمال الباء فيهما، فإذا قيدتهما وخصصتهما زال ذلك الجواز، ويوم الجمعة لما كان فيه خصوص لم يجز استعمال الباء، وحيث زال الخصوص بالتنكير، وقلت خرت بيوم كذا عاد الجواز، والسر فيه أن مثل يوم الجمعة، وهذه الساعة، وتلك الليلة وجد فيها أمر غير الزمان وهو خصوصيات، وخصوصية الشيء في الحقيقة أمور كثيرة غير محصورة عند العاقل على وجه التفصيل لكنها محصورة على الإجمال، مثاله إذا قلت هذا الرجل فالعام فيه هو الرجل، ثم إنك لو قلت الرجل الطويل، ما كان يصير مخصصا، لكنه يقرب من الخصوص، ويخرج من القصار، فإن قلت العالم لم يصر مخصصا لكنه يخرج عن الجهال، فإذا قلت الزاهد فكذلك، فإذا قلت ابن عمرو خرج عن أبناء زيد وبكر وخالد وغيرهم، فإذا قلت هذا يتناول تلك المخصصات التي بأجمعها لا تجتمع إلا في ذلك، فإذن الزمان المتعين فيه أمور غير الزمان، والفعل حدث مقترن بزمان لا ناشئ عن الزمان، وأما في فصحيح، لأن ما حصل في العام فهو في الخاص، لأن العام أمر داخل في الخاص، وأما في فيدخل في الذي فيه الشيء، فصح أن يقال : في يوم الجمعة، وفي / هذه الساعة، وأما بحث اللام فنؤخره إلى موضعه، وقد تقدم بعضه في تفسير قوله تعالى : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس : ٣٨] وقوله هُمْ غير خال عن فائدة، قال الزمخشري : فائدته انحصار المستغفرين، أي
لكمالهم في الاستغفار، كأن غيرهم ليس بمستغفر، فهم المستغفرون لا غير، يقال فلان هو العالم لكماله في العلم كأنه تفرد به وهو جيد، ولكن فيه فائدة أخرى، وهي أن اللّه تعالى لما عطف وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ على قوله كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ [الذاريات : ١٧] فلو لم يؤكد معنى الإثبات بكلمة هُمْ لصلح أن يكون معناه : وبالأسحار قليلا ما يستغفرون، تقول فلان قليلا ما يؤذي وإلى الناس يحسن
قد يفهم أنه قليل الإيذاء قليل الإحسان، فإذا قلت قليلا ما يؤذي وهو يحسن زال ذلك الفهم وظهر فيه معنى قوله : قليل الإيذاء كثير الإحسان، والاستغفار يحتمل وجوها أحدها : طلب المغفرة بالذكر بقولهم ربنا اغفر لنا الثاني : طلب المغفرة بالفعل، أي بالأسحار يأتون بفعل آخر طلبا للغفران، وهو الصلاة أو غيرها من العبادات الثالث : وهو أغربها الاستغفار من باب استحصد الزرع إذا جاء أوان حصاده، فكأنهم بالأسحار يستحقون المغفرة ويأتيهم أوان المغفرة، فإن قيل : فاللّه لم يؤخر مغفرتهم إلى السحر؟ نقول وقت السحر تجتمع ملائكة الليل والنهار، وهو الوقت المشهود، فيقول اللّه على ملأ منهم : إني غفرت لعبدي، والأول أظهر، والثاني عند المفسرين أشهر. ثم قال تعالى :
[سورة الذاريات (٥١) : آية ١٩]
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)
وقد ذكرنا مرارا أن اللّه تعالى بعد ذكر تعظيم نفسه يذكر الشفقة على خلقه، ولا شك أن قليل الهجوع المستغفر في وجوه الأسحار وجد منه التعظيم العظيم، فأشار إلى الشفقة بقوله وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أضاف المال إليهم، وقال في مواضع أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [يس : ٤٧] وقال :


الصفحة التالية
Icon