مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٧٤
ذلك إشارة إلى الفرج في حق الأنبياء، والبلاء على الجهلة والأغبياء، إذا جاءهم من حيث لا يحتسب. قال اللّه تعالى : فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [الحشر : ٢] فلم يكن عند إبراهيم عليه السلام خبر من إنزال العذاب مع ارتفاع مكانته.
المسألة الثانية : كيف سماهم ضيفا ولم يكونوا؟ نقول لما حسبهم إبراهيم عليه السلام ضيفا لم يكذبه اللّه تعالى في حسابه إكراما له، يقال في كلمات المحققين الصادق يكون ما يقول، والصديق يقول ما يكون.
المسألة الثالثة : ضيف لفظ واحد والمكرمين جمع، فكيف وصف الواحد بالجمع؟ نقول الضيف يقع على القوم، يقال قوم ضيف ولأنه مصدر فيكون كلفظ الرزق مصدرا، وإنما وصفهم بالمكرمين إما لكونهم عبادا مكرمين كما قال تعالى : بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء : ٢٦] وإما لإكرام إبراهيم عليه السلام إياهم، فإن قيل :
بما ذا أكرمهم؟ قلنا ببشاشة الوجه أولا، وبالإجلاس في أحسن المواضع وألطفها ثانيا، وتعجيل القرى ثالثا، وبعد التكليف للضيف بالأكل والجلوس وكانوا عدة من الملائكة في قول ثلاثة جبريل وميكائيل وثالث، وفي قول عشرة، وفي آخر اثنا عشرة.
المسألة الرابعة : هم أرسلوا للعذاب بدليل قولهم إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ [الذاريات : ٣٢] وهم لم يكونوا من قوم إبراهيم عليه السلام، وإنما كانوا من قوم لوط فما الحكمة في مجيئهم إلى إبراهيم عليه السلام؟
نقول فيه حكمة بالغة، وبيانها من وجهين أحدهما : أن إبراهيم عليه السلام شيخ المرسلين وكان لوط من قومه ومن إكرام الملك للذي في عهدته وتحت طاعته إذا كان يرسل رسول إلى غيره يقول له اعبر على فلان الملك وأخبره برسالتك وخذ فيها رأيه وثانيهما : هو أن / اللّه تعالى لما قدر أن يهلك قوما كثيرا وجما غفيرا، وكان ذلك مما يحزن إبراهيم عليه السلام شفقة منه على عباده قال لهم بشروه بغلام يخرج من صلبه أضعاف ما يهلك، ويكون من صلبه خروج الأنبياء عليهم السلام. ثم قال تعالى :
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٢٥]
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما العامل في إذ؟ فيه وجوه أحدها : ما في المكرمين من الإشارة إلى الفعل إن قلنا وصفهم بكونهم مكرمين بناء على أن إبراهيم عليه السلام أكرمهم فيكون كأنه تعالى يقول : أكرموا إذ دخلوا، وهذا من شأن الكريم أن يكرم ضيفه وقت الدخول ثانيها : ما في الضيف من الدلالة على الفعل، لأنا قلنا إن الضيف مصدر فيكون كأنه يقول : أضافهم إذ دخلوا وثالثها : يحتمل أن يكون العامل فيه أتاك تقديره ما أتاك حديثهم وقت دخولهم، فاسمع الآن ذلك، لأن هل ليس للاستفهام في هذا الموضع حقيقة بل للاعلام، وهذا أولى لأنه فعل مصرّح به، ويحتمل أن يقال اذكر إذ دخلوا.
المسألة الثانية : لما ذا اختلف إعراب السلامين في القراءة المشهورة؟ نقول : نبين أولا وجوه النصب والرفع، ثم نبيّن وجوه الاختلاف في الإعراب، أما النصب فيحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون المراد من السلام هو التحية وهو المشهور، ونصبه حينئذ عل المصدر تقديره نسلم سلاما ثانيها : هو أن يكون السلام نوعا من أنواع الكلام وهو كلام سلم به المتكلم من أن يلغو أو يأثم فكأنهم


الصفحة التالية
Icon