مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٨٣
وهو إشارة إلى بعض ما أتى به، كأنه يقول : واتخذ الأولياء فلم ينفعوه، وأخذه اللّه وأخذ أركانه وألقاهم جميعا في اليم وهو البحر، والحكاية مشهورة، وقوله تعالى : هُوَ مُلِيمٌ
نقول فيه شرف موسى عليه السلام وبشارة للمؤمنين، أما شرفه فلأنه تعالى قال بأنه أتى بما يلام عليه بمجرد قوله : إني أريد هلاك أعدائك يا إله العالمين، فلم يكن له سبب إلا هذا، أما فرعون فقال : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات : ٢٤] فكان سببه تلك، وهذا كما قال القائل : فلان عيبه أنه سارق، أو قاتل، أو يعاشر الناس يؤذيهم، وفلان عيبه أنه مشغول بنفسه لا يعاشر، فتكون نسبة العيبين بعضهما إلى بعض سببا لمدح أحدهما وذم الآخر. وأما بشارة المؤمنين فهو بسبب أن من التقمه الحوت وهو مليم نجاه اللّه تعالى بتسبيحه، ومن أهلكه اللّه بتعذيبه لم ينفعه إيمانه حين قال :
آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ [يونس : ٩٠]. ثم قال تعالى :
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٤١]
وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)
وفيه ما ذكرنا من الوجوه التي ذكرناها في عطف موسى عليه السلام، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكر أن المقصود هاهنا تسلية قلب النبي صلى اللّه عليه وسلم وتذكيره بحال الأنبياء، ولم يذكر في عاد وثمود أنبياءهم، كم ذكر إبراهيم وموسى عليهما السلام، نقول في ذكر الآيات ست حكايات : حكاية إبراهيم عليه السلام وبشارته، وحكاية قوم لوط ونجاة من كان فيها من المؤمنين، وحكاية موسى عليه السلام، وفي هذه الحكايات الثلاث ذكر الرسل والمؤمنين، لأن الناجين فيهم كانوا كثيرين، أما في حق إبراهيم وموسى عليهما السلام فظاهر، وأما في قوم لوط فلأن الناجين، وإن كانوا أهل بيت واحد، ولكن المهلكين كانوا أيضا أهل بقعة واحدة.
وأما عاد وثمود وقوم نوح فكان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين أضعاف ما كان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين من قوم لوط عليه السلام.
فذكر الحكايات الثلاث الأول للتسلية بالنجاة، وذكر الثلاث المتأخرة للتسلية بإهلاك العدو، والكل مذكور للتسلية بدليل قوله تعالى في آخر هذه الآيات كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ / رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ إلى أن قال : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات : ٥٤، ٥٥].
وفي هود قال بعد الحكايات ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ إلى أن قال : وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود : ١٠٠- ١٠٢] فذكر بعدها ما يؤكد التهديد، وذكر بعد الحكايات هاهنا ما يفيد التسلي، وقوله الْعَقِيمَ أي ليست من اللواقح لأنها كانت تكسر وتقلع فكيف كانت تلقح والفعيل لا يلحق به تاء التأنيث إذا كان بمعنى مفعول وكذلك إذا كان بمعنى فاعل في بعض الصور، وقد ذكرنا سببه أن فعيل لما جاء للمفعول والفاعل جميعا ولم يتميز المفعول عن الفاعل فأولى أن لا يتميز المؤنث عن المذكر فيه لأنه لو تميز لتميز الفاعل عن المفعول قبل تميز المؤنث والمذكر لأن الفاعل جزء من الكلام محتاج إليه فأول ما يحصل في الفعل الفاعل ثم التذكير والتأنيث يصير كالصفة للفاعل والمفعول، تقول فاعل وفاعلة ومفعول ومفعولة، ويدل على ذلك أيضا أن التمييز بين الفاعل والمفعول جعل بحرف ممازج للكلمة


الصفحة التالية
Icon