مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٠١
المقام الثالث : لم تدخل اللام على خبر إن المكسورة دون المفتوحة؟ قلنا قد خرج مما سبق أن قول القائل زيد منطلق أصل، لأن المثبتات هي المحتاجة إلى الإخبار عنها فإن التغير في ذلك، وأما العدميات فعلى أصولها مستمرة، ولهذا يقال الأصل في الأشياء البقاء ثم إن السامع له قد يحتاج إلى الرد عليه فيقول ليس زيد منطلق فيقول هو إن زيدا منطلق فيقول هو ردا عليه ليس زيد بمنطلق فيقول ردا عليه إن زيدا لمنطلق وأن ليست في مقابلة ليس وإنما هي متفرعة عن المكسورة.
المبحث الثاني : قوله تعالى : عَذابَ رَبِّكَ فيه لطيفة عزيزة وهي أنه تعالى لو قال إن عذاب اللّه لواقع، واللّه اسم منبئ عن العظمة والهيبة كان يخاف المؤمن بل النبي صلى اللّه عليه وسلم من أن يلحقه ذلك لكونه تعالى مستغنيا عن العالم بأسره، فضلا عن واحد فيه فآمنه بقوله رَبِّكَ فإنه حين يسمع لفظ الرب يأمن.
المبحث الثالث : قوله لَواقِعٌ فيه إشارة إلى الشدة، فإن الواقع والوقوع من باب واحد فالواقع أدل على الشدة من الكائن. ثم قال تعالى : ما لَهُ مِنْ دافِعٍ والبحث فيه قد تقدم في قوله تعالى : وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت : ٤٦] وقد ذكرنا أن قوله وَالطُّورِ.. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ.. وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فيه دلالة على عدم الدافع فإن من يدفع عن نفسه عذابا قد يدفع بالتحصن بقلل الجبال ولجج البحار ولا ينفع ذلك بل الوصول إلى السقف المرفوع ودخول البيت المعمور لا يدفع ثم قال تعالى :
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٩ إلى ١٠]
يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما الناصب ليوم؟ نقول المشهور أن ذلك هو الفعل الذي يدل عليه واقع أي يقع العذاب يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً والذي أظنه أنه هو الفعل المدلول عليه بقوله ما لَهُ مِنْ دافِعٍ [الطور : ٨] وإنما قلت ذلك لأن العذاب الواقع على هذا ينبغي أن يقع في ذلك اليوم، لكن العذاب الذي به التخويف هو الذي بعد الحشر، ومور السماء قبل الحشر، وأما إذا قلنا معناه لَيْسَ لَهُ دافِعٌ يوم تمور فيكون في معنى قوله فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر : ٨٥] كأنه تعالى يقول : ما له من دافع في ذلك اليوم وهو ما إذا صارت السماء تمور في أعينكم والجبال تسير، وتتحققون أن الأمر لا ينفع شيئا ولا يدفع.
المسألة الثانية : ما مور السماء؟ نقول خروجها عن مكانها تتردد وتموج، والذي تقوله الفلاسفة قد علمت ضعفه مرارا وقوله تعالى : وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً يدل على خلاف قولهم، وذلك لأنهم وافقوا على أن خروج الجبل العظيم من مكانه جائز وكيف لا وهم يقولون بأن زلزلة الأرض مع ما فيها من الجبال ببخار يجتمع تحت الأرض فيحركها، وإذا كان كذلك فنقول السماء قابلة للحركة بإخراجها خارجة عن السمتيات والجبل ساكن يقتضي طبعه السكون، وإذا قبل جسم الحركة مع أنها على خلاف طبعه، فلأن يقبلها جرم آخر مع أنها على موافقته أولى وقولهم القابل للحركة المستديرة لا يقبل الحركة المستقيمة في غاية الضعف، وقوله مَوْراً يفيد فائدة جليلة وهي أن قوله تعالى : وَتَسِيرُ الْجِبالُ يحتمل أن يكون بيانا لكيفية مور السماء، وذلك لأن الجبال إذا سارت وسيرت معها سكانها يظهر أن السماء كالسيارة إلى خلاف تلك الجهة كما يشاهده


الصفحة التالية
Icon