مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢١٨
السينات التي مع الطاء، كما في قوله تعالى : بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية : ٢٢] و[قد قرئ ] مصيطر. ثم قال تعالى :
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٨]
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨)
وهو أيضا تتميم للدليل، فإن من لا يكون خازنا ولا كاتبا قد يطلع على الأمر بالسماع من الخازن أو الكاتب، / فقال أنتم لستم بخزنة ولا كتبة ولا اجتمعتم بهم، لأنهم ملائكة ولا صعود لكم إليهم، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المقصود نفي الصعود، ولا يلزم من نفي السلم لهم نفي الصعود، فما الجواب عنه؟
نقول النفي أبلغ من نفي الصعود، وهو نفي الاستماع وآخر الآية شامل للكل، قال تعالى : فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ.
المسألة الثانية : السلم لا يستمع فيه، وإنما يستمع عليه، فما الجواب؟ نقول من وجهين : أحدهما : ما ذكره الزمخشري أن المراد يَسْتَمِعُونَ صاعدين فيه وثانيهما : ما ذكره الواحدي أن في بمعنى على، كما في قوله تعالى : وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه : ٧١] أي جذوع النخل، وكلاهما ضعيف لما فيه من الإضمار والتغيير «١» المسألة الثالثة : لم ترك ذكر مفعول يَسْتَمِعُونَ وما ذا هو؟ نقول فيه وجوه أحدها : المستمع هو الوحي أي هل لهم سلم يستمعون فيه الوحي ثانيها : يستمعون ما يقولون من أنه شاعر، وأن للَّه شريكا، وأن الحشر لا يكون ثالثها : ترك المفعول رأسا، كأنه يقول : هل لهم قوة الاستماع من السماء حتى يعلموا أنه ليس برسول، وكلامه ليس بمرسل.
المسألة الرابعة : قال : فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ ولم يقل فليأتوا، كما قال تعالى : فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ [الطور : ٣٤] نقول طلب منهم ما يكون أهون على تقدير صدقهم، ليكون اجتماعهم عليه أدل على بطلان قولهم، فقال هناك فَلْيَأْتُوا أي اجتمعوا عليه وتعاونوا، وأتوا بمثله، فإن ذلك عند الاجتماع أهون، وأما الارتقاء في السلم بالاجتماع [فإنه ] متعذر لأنه لا يرتقي إلا واحد بعد واحد، ولا يحصل في الدرجة العليا إلا واحد فقال : فَلْيَأْتِ ذلك الواحد الذي كان أشد رقيا بما سمعه.
المسألة الخامسة : قوله بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ما المراد به؟ نقول هو إشارة إلى لطيفة، وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه، وقيل لهم فليأت مستمعهم بما سمع لكان لواحد أن يقول : أنا سمعت كذا وكذا فيفتري كذبا، فقال لا بل الواجب أن يأتي بدليل يدل عليه. ثم قال تعالى :
[سورة الطور (٥٢) : آية ٣٩]
أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩)
إشارة إلى نفي الشرك، وفساد ما يقولون بطريق آخر، وهو أن المتصرف إنما يحتاج إلى الشريك لعجزه، واللَّه قادر فلا شريك له، فإنهم قالوا : نحن لا نجعل هذه الأصنام وغيرها شركاء، وإنما نعظمها لأنها بنات اللَّه، فقال تعالى : كيف تجعلون للَّه البنات، وخلق البنات والبنين إنما كان لجواز الفناء على الشخص، ولولا التوالد لانقطع النسل وارتفع الأصل، من غير أن يقوم مقامه الفصل، فقدر اللَّه التوالد، ولهذا لا يكون في الجنة ولادة،

(١) يخلص من هذا أن يفسر السلم بالرقي وحينئذ تصلح الظرفية.


الصفحة التالية
Icon