مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٢١
لكم لأن العذر إما في الغرامة وإما في عدم الحاجة إلى ما جاء به ولا غرامة عليكم فيه ولا غنى لكم عنه وفيه مسائل :
المسألة الأولى : كيف التقدير؟ قلنا لا حاجة إلى التقدير بل هو استفهام متوسط على ما ذكرنا كأنه قال أتهديهم لوجه اللّه تعالى أم تسألهم أجرا فيمتنعون أم لا حاجة لهم إلى ما تقول لكونهم عندهم الغيب فلا يتبعون.
المسألة الثانية : الألف واللام في الغيب لتعريف ماذا ألجنس أو لعهد؟ نقول الظاهر أن المراد نوع الغيب كما يقول القائل اشترى اللحم يريد بيان الحقيقة لأكل لحم ولا لحما معينا، والمراد في قوله تعالى : عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [الأنعام : ٧٣] الجنس واستغراقه لكل غيب.
المسألة الثالثة : على هذا كيف يصح عندهم الغيب وما عند الشخص لا يكون غيبا؟ نقول معناه حضر عندهم ما غاب عن غيرهم، وقيل هذا متعلق بقوله نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور : ٣٠] أي أعندكم الغيب تعلمون أنه يموت قبلكم وهو ضعيف، لبعد ذلك ذكر، أو لأن قوله تعالى : قُلْ تَرَبَّصُوا متصل به وذلك يمنع اتصال هذا بذلك.
المسألة الرابعة : ما الفائدة في قوله فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟ نقول وضوح الأمر، وإشارة إلى أن ما عند النبي صلى اللّه عليه وسلم من علم الغيب علم بالوحي أمورا وأسرارا وأحكاما وأخبارا كثيرة كلها هو جازم بها وليس كما يقول المتفرس، الأمر كذا وكذا، فإن قيل اكتب به خطك أنه يكون يمتنع ويقول أنا لا أدعي فيه الجزم والقطع ولكن أذكره كذا وكذا على سبيل الظن والاستنباط وإن كان قاطعا يقول اكتبوا هذا عني، وأثبتوا في الدواوين أن في اليوم الفلاني يقع كذا وكذا فقوله أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ يعني هل صاروا في درجة محمد صلى اللّه عليه وسلم حتى استغنوا عنه / وأعرضوا، ونقل عن ابن قتيبة أن المراد من الكتابة الحكم معناه يحكمون وتمسك
بقوله صلى اللّه عليه وسلم :«اقض بيننا بكتاب اللّه»
أي حكم اللّه وليس المراد ذلك، بل هو من باب الإضمار معناه بما في كتاب اللّه تعالى يقال فلان يقضي بمذهب الشافعي أي بما فيه، ويقول الرسول الذي معه كتاب الملك للرعية اعملوا بكتاب الملك. ثم قال تعالى :
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٢]
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما وجه التعلق والمناسبة بين الكلامين؟ قلنا يبين ذلك ببيان المراد من قوله أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فبعض المفسرين قال أم يريدون أن يكيدوك فهم المكيدون، أي لا يقدرون على الكيد فإن اللّه يصونك بعينه وينصرك بصونه، وعلى هذا إذا قلنا بقول من يقول أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ [الطور : ٤١] متصل بقوله تعالى :
نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور : ٣٠] فيه ترتيب في غاية الحسن وهو أنهم لما قالوا نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قيل لهم أتعلمون الغيب فتعلمون أنه يموت قبلكم أم تريدون كيدا فتقولون نقتله فيموت قبلنا فإن كنتم تدعون الغيب فأنتم كاذبون، وإن كنتم تظنون أنكم تقدرون عليه فأنتم غالطون فإن اللّه يصونه عنكم وينصره عليكم، وأما على ما قلنا إن المراد منه أنه صلى اللّه عليه وسلم لا يسألكم على الهداية ما لا وأنتم لا تعلمون ما جاء به لولا هدايته لكونه من الغيوب، فنقول فيه وجوه الأول : أن المراد من قوله تعالى : أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً أي من الشيطان


الصفحة التالية
Icon