مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٢٣
الكيس، فكذلك سبحان فيما ذكر من المواضع لم يترك على مواضع استعماله فإنه حينئذ لم يترك علما كما يقال زيد على وزن فعل بخلاف التسبيح فيما ذكرنا.
المسألة الرابعة : ما في قوله تعالى : عَمَّا يُشْرِكُونَ، يحتمل وجهين أحدهما : أن تكون مصدرية معناه سبحان عن إشراكهم ثانيهما : خبرية معناه عن الذين يشركون، وعلى هذا فيحتمل أن يكون عن الولد لأنهم كانوا يقولون البنات للّه فقال سبحان اللّه على البنات والبنين، ويحتمل أن يكون عن مثل الآلهة لأنهم كانوا يقولون هو مثل ما يعبدونه فقال سبحان اللّه عن مثل ما يعبدونه. ثم قال تعالى :
[سورة الطور (٥٢) : آية ٤٤]
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤)
[المسألة الأولى في قوله تعالى وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ] وجه الترتيب فيه هو أنه تعالى لما بيّن فساد أقوالهم وسقوطها عن درجة الاعتبار أشار إلى أنه لم يبق لهم شيء من وجه الاعتذار، فإن الآيات ظهرت والحجج تميزت ولم يؤمنوا، وبعد ذلك يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ أي ينكرون الآية لكن الآية إذا أظهرت في أظهر الأشياء كانت أظهر، وبيانه هو أن من يأتي بجسم من الأجسام من بيته وادعى فيه أنه فعل به كذا فربما يخطر ببال السامع أنه في بيته ولما يبدعه، فإذا قال للناس هاتوا جسما تريدون حتى أجعل لكم منه كذا يزول ذلك الوهم، لكن أظهر الأشياء عند الإنسان الأرض التي هي مهده وفرشه، والسماء التي هي سقفه وعرشه، وكانت العرب على مذهب الفلاسفة في أصل المذهب، ولا يلتفت إلى قول الفلسفي نحن ننزه غاية التنزيه حتى لا نجوز رؤيته واتصافه بوصف زائد على ذاته ليكون واحدا في الحقيقة، فكيف يكون مذهبنا مذهب من يشرك باللّه صنما منحوتا؟ نقول أنتم لما نسبتم الحوادث إلى الكواكب وشرعتم في دعوة الكواكب أخذ الجهال عنكم ذلك واتخذوه مذهبا وإذا ثبت أن العرب في الجاهلية كانت في الأصل على مذهب الفلاسفة وهم يقولون بالطبائع فيقولون الأرض طبعها التكوين والسماء طبعها يمنع الانفصال والانفكاك، فقال اللّه تعالى ردا عليهم في مواضع إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [سبأ : ٩] إبطالا للطبائع وإيثارا للاختيار في الوقائع، فقال هاهنا إن أتينا بشيء غريب في غاية الغرابة في أظهر الأشياء وهو السماء التي يرونها أبدا ويعلمون أن أحدا لا يصل إليها ليعمل بالأدوية وغيرها ما يجب سقوطها لأنكروا ذلك، فكيف فيما دون ذلك من الأمور، والذي يؤيد ما ذكرناه وأنهم كانوا على مذهب الفلاسفة في أمر السماء أنهم قالوا أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ
عَلَيْنا كِسَفاً [الإسراء : ٩٢] أي ذلك في زعمك ممكن، فأما عندنا فلا، والكسفة القطعة يقال كسفة من ثوب أي قطعة، وفيه مباحث :
البحث الأول : استعمل في السماء لفظة الكسف، واللغويون ذكروا استعمالها في الثوب لأن اللّه تعالى شبه السماء بالثوب المنشور، ولهذا ذكره فيما مضى فقال : وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ [الزمر : ٦٧] وقال تعالى : يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ [الأنبياء : ١٠٤].
البحث الثاني : استعمل الكسف في السماء والخسف في الأرض فقال تعالى : نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ [سبأ : ٩] وهو يدل على قول من قال يقال في القمر خسوف، وفي الشمس كسوف ووجهه أن مخرج الخاء دون مخرج الكاف ومخرج الكاف فوقه متصل به فاستعمل وصف الأسفل للأسفل والأعلى للأعلى، فقالوا في الشمس والسماء الكسوف والكسف، وفي القمر والأرض الخسوف والخسف، وهذا من قبيل قولهم في الماتح


الصفحة التالية
Icon